responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 231
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= سِيَّمَا هَذِهِ الطَّرِيقُ الَّتِي كَأَنَّهَا الشَّمْسُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو هِلَالٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُتَلَقَّى الْجَلَبُ خَارِجَ الْبَلَدِ فَإِذَا تُلُقِّيَ الْجَلَبُ خَارِجًا مِنْ الْبَلَدِ فَرَبُّ الْجَلَبِ بِالْخِيَارِ إذَا قَدِمَ إنْ شَاءَ بَاعَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ , وَهَذَا أَيْضًا نَصُّ قَوْلِنَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا تَلَقُّوا الْبُيُوعَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ عَنْ إيَاسِ بْنِ دَغْفَلٍ: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -:لَا تَلَقُّوا الرُّكْبَانَ. وَمِمَّنْ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ الْجَالِبِينَ جُمْلَةً: اللَّيْثُ , وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقُ , وَالشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ: بِإِيجَابِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ إذَا قَدِمَ السُّوقَ - وَنَهَى عَنْهُ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ بِالنَّاسِ إلَيْهِ حَاجَةٌ. وَأَبَاحَهُ أَبُو حَنِيفَةَ جُمْلَةً , إلَّا أَنَّهُ كَرِهَهُ إنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْبَلَدِ دُونَ أَنْ يَحْظُرَهُ , وَأَجَازَهُ بِكُلِّ حَالٍ - وَهَذَا خِلَافٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَخِلَافُ صَاحِبَيْنِ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ , وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ. وَمَا نَعْلَمُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلتِّجَارَةِ خَاصَّةً , وَيُؤَدَّبُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي نَوَاحِي الْمِصْرِ فَقَطْ - وَلَا بَأْسَ بِالتَّلَقِّي لِابْتِيَاعِ الْقُوتِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْأُضْحِيَّةِ. وَهَذِهِ تَقَاسِيمُ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ , وَلَا نَعْلَمُهَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ أَصْلًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعِ بَيَانٌ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ لِلْبَائِعِ خِيَارًا فِي رَدِّهِ أَوْ إمْضَائِهِ , وَالْخِيَارُ لَا يَكُونُ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ , وَمَنْ جَعَلَهُ يُورَثُ فَقَدْ تَعَدَّى مَا حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَيْسَ الْخِيَارُ مَالًا يُورَثُ , وَلَوْ وُرِثَ لَكَانَ لِأَهْلِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ نُصِيبُهُمْ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: تَلَقِّي السِّلَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مَنْ تَلَقَّاهَا بِحَيْثُ لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ إلَيْهِ , فَإِنْ تَلَقَّاهَا بِحَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ فَصَاعِدًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُنْزَعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ , فَإِنْ مَاتَ نُزِعَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَبِيعَتْ فِي السُّوقِ وَدُفِعَ ثَمَنُهَا إلَى الْبَائِعِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: {كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ فَنَهَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ سُوقَ الطَّعَامِ}. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَنَا أَبُو ضَمْرَةَ - هُوَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ - أَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ {أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَبْعَثُ عَلَيْهِ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ حَيْثُ اشْتَرَوْهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ حَيْثُ يُبَاعُ الطَّعَامُ}. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ أَنَا هِشَامٌ أَنَا أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ غَنْجٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: {أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الرُّكْبَانِ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ الَّذِي ابْتَاعُوهُ فِيهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ إلَى سُوقِ الطَّعَامِ}. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِسِتَّةِ وُجُوهٍ -:أَحَدُهَا - أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا هُمْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ خَالَفَهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى تَفْسِيرٍ مَا فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا فَسَّرَ , وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي رَدِّ الْخَبَرِ , وَابْنُ عُمَرَ هُوَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ , وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ الْفُتْيَا بِتَرْكِ التَّلَقِّي كَمَا وَرَدَ آنِفًا , وَالْأَخْذُ بِمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّلَقِّي. وَثَانِيهَا - أَنَّ هَذَيْنِ خَبَرَانِ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَنَا فِيهِمَا , فَلَا كَرَاهَةَ عِنْدَهُمْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ حَيْثُ ابْتَاعَهُ , وَلَا أَسْوَأَ طَرِيقَةً مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِحُجَّةٍ هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لَهَا , وَمُخَالِفٍ لِمُوجِبِهَا. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمَا مُوَافِقَانِ لِقَوْلِنَا ; لِأَنَّ مَعْنَى نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يَبْلُغُوا بِهِ سُوقَ الطَّعَامِ هُوَ نَهْيٌ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْتَاعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ السُّوقَ , وَمَشْهُورٌ غَيْرُ مَنْكُورٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ " بِعْت بِمَعْنَى ابْتَعْت " وَيُخَرَّجُ خَبَرُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَلَى هَذَا أَيْضًا , وَأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى الْبَائِعِينَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ الَّذِي ابْتَاعَهُ الْمُشْتَرُونَ مِنْهُمْ - وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ. وَالرَّابِعُ - أَنَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِمَا لَكَانَ النَّهْيُ نَاسِخًا وَلَا بُدَّ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ ; لِأَنَّ التَّلَقِّي كَانَ مُبَاحًا بِلَا شَكٍّ قَبْلَ النَّهْيِ , فَكَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ مُوَافِقَيْنِ لِلْحَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِلَا شَكٍّ , وَبِالْيَقِينِ يَدْرِي كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذْ نَهَى عَنْ التَّلَقِّي فَقَدْ بَطَلَتْ الْإِبَاحَةُ بِلَا شَكٍّ , فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَنُسِخَ لَوْ صَحَّ فِيهِمَا إبَاحَةُ التَّلَقِّي , فَكَيْفَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِمَا؟ وَهَذَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ , وَمَنْ ادَّعَى عَوْدَ حُكْمٍ قَدْ نُسِخَ فَقَدْ كَذَبَ , وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَادَّعَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ كَمَا أُمِرَ , وَأَنَّ الدِّينَ مُخْتَلِطٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ حَرَامَهُ مِنْ حَلَالِهِ مِنْ وَاجِبِهِ , وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَخَامِسُهَا - أَنْ يُضَمَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ إلَى أَخْبَارِ النَّهْيِ , فَيَكُونُ الْبَائِعُونَ تَخَيَّرُوا إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَأَمَرَ الْمُبْتَاعُونَ بِنَقْلِهِ حِينَئِذٍ إلَى السُّوقِ , فَتَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا وَلَا تُحْمَلُ عَلَى التَّضَادِّ. وَسَادِسُهَا - أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ بِبَيَانٍ صَحِيحٍ رَافِعٍ لِلْإِشْكَالِ مِنْ طَرِيقِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ مِنْ جُوَيْرِيَةَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ - حَدَّثَهُ نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: {كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ وَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ}. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ , وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا أُبَيٌّ , ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ , كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: {كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ}. فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فِي السُّوقِ إلَّا أَنَّهُ فِي أَعْلَاهُ , وَفِي الْجُزَافِ خَاصَّةً فَنُهِيَ الْمُشْتَرُونَ عَنْ ذَلِكَ - وَاحْتَجَّ أَيْضًا بَعْضُهُمْ بِشَيْءٍ طَرِيفٍ جِدًّا , وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ رِوَايَةً عَنْ هِشَامٍ الْقُرْدُوسِيِّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَفِيهِ: فَمَنْ اشْتَرَاهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ , وَقَالَ: إنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُوجِبُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا جَرَوْا بِهِ عَلَى عَادَتِهِمْ الْخَبِيثَةِ فِي الْإِيهَامِ وَالتَّمْوِيهِ بِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ - وَهُمْ لَا يَأْتُونَ بِشَيْءٍ - لِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ بَاطِلٌ , وَلَوْ جَاءَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَكَانَ مُجْمَلًا تُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِهَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ , وَأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا هُوَ لِلْبَائِعِ , وَهَكَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ , وَابْنُ سِيرِينَ فِي فُتْيَاهُمَا. ثُمَّ هَبْكَ لَوْ صَحَّ خِيَارٌ آخَرُ لِلْمُشْتَرِي فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لَهُمْ فِي هَذَا؟ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا , فَلَوْ كَانَ هَهُنَا حَيَاءٌ , أَوْ وَرَعٌ لَرَدَعَ عَنْ التَّمْوِيهِ بِمِثْلِ هَذَا مِمَّا هُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّمَا أَمَرَ عليه السلام بِهَذَا حِيَاطَةً لِلْجُلَّابِ دُونَ أَهْلِ الْحَضَرِ - قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ حِيَاطَةً عَلَى أَهْلِ الْحَضَرِ دُونَ الْجُلَّابِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ فَاسِدٌ , وَمَا حِيَاطَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَهْلِ الْحَضَرِ إلَّا كَحِيَاطَتِهِ لِلْجُلَّابِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. فَهُوَ عليه السلام ذُو رَأْفَةٍ وَرَحْمَةٍ بِالْمُؤْمِنِينَ كَمَا وَصَفَهُ رَبُّهُ تَعَالَى , وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجَالِبِينَ , وَكُلُّهُمْ مُؤْمِنُونَ فَكُلُّهُمْ فِي رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ سَوَاءٌ , وَلَكِنَّهَا الشَّرَائِعُ يُوحِيهَا إلَيْهِ بَاعِثُهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيُؤَدِّيهَا كَمَا أُمِرَ , لَا يُبَدِّلُهَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ , وَلَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى , وَلَا عِلَّةَ لِشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ إلَّا مَا قَالَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} وَ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} , {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} , وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ وَإِفْكٌ مُفْتَرًى. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا يَقُولُونَ: فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ - وَهُوَ صَحِيحٌ - وَأَنْتُمْ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى الْقَوْلِ بِالسُّنَنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ , وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا , وَسَنَذْكُرُ الْحُكْمَ الَّذِي فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ نَقْلِ الطَّعَامِ عَنْ مَوْضِعِ ابْتِيَاعِهِ وَأَنَّهُ فِي الْجُزَافِ خَاصَّةً بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ خَبَرٍ آخَرَ. وَأَمَّا هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا هَهُنَا فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ -:إمَّا أَمْرٌ لِلْبَائِعِينَ وَهُمْ الرُّكْبَانُ الْجَالِبُونَ لَهُ , بِأَنْ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ الْبَيْعِ هُنَالِكَ , وَنُهِيَ الْمُشْتَرُونَ عَنْ التَّلَقِّي - وَإِمَّا أَنَّهُ مَفْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنْ التَّلَقِّي أَوْ فِي الْجُزَافِ خَاصَّةً , كَمَا فِي خَبَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ , لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ لِمَا ذَكَرْنَا , وَلَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 231
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست