اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 230
وَمِنْهَا مَا قَدْ تَنَازَعَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ؛ لَكِنَّ الثَّابِتَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ كُلِّهِ [1].
وَمِنْ الْمُنْكَرَاتِ تَلَقِّي السِّلَعِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ إلَى السُّوقِ [2]؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْرِيرِ الْبَائِعِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ السِّعْرُ فَيَشْتَرِي مِنْهُ الْمُشْتَرِي بِدُونِ الْقِيمَةِ؛ وَلِذَلِكَ أَثْبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ الْخِيَارَ إذَا هَبَطَ إلَى السُّوقِ. [1] - قلت: فمن وصله التحريم يجب عليه المبادرة للعمل به وترك المحرم، ولا حجة له في تقليد من سبقه إذا ثبت أنها حرام [2] - صحيح مسلم برقم (3894) ومسند أحمد برقم (4627) عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُتَلَقَّى السِّلَعُ حَتَّى تَبْلُغَ الأَسْوَاقَ. وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ نُمَيْرٍ. وَقَالَ الآخَرَانِ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ التَّلَقِّى.
قال النووي رحمه الله: وفي هذه الأحاديث تحريم تلقى الجلب وهو مذهب الشافعي ومالك والجمهور، وقال أبو حنيفة والأوزاعي يجوز التلقي إذا لم يضر بالناس فإن أضر كره، والصحيح الأول للنهي الصريح، قال أصحابنا وشرط التحريم أن يعلم النهي عن التلقي ولو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل فاشترى منه ففي تحريمه وجهان لأصحابنا وقولان لأصحاب مالك أصحهما عند أصحابنا التحريم لوجود المعنى ولو تلقاهم وباعهم ففي تحريمه وجهان وإذا حكمنا بالتحريم فاشترى صح العقد، قال العلماء وسبب التحريم إزالة الضرر عن الجالب وصيانته ممن يخدعه، قال الإمام أبو عبد الله المازري: فإن قيل المنع من بيع الحاضر للبادي سببه الرفق بأهل البلد واحتمل فيه غبن البادي والمنع من التلقي أن لا يغبن البادي، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار. فالجواب: أن الشرع ينظر في مثل هذه المسائل إلى مصلحة الناس والمصلحة تقتضي أن ينظر للجماعة على الواحد لا للواحد على الواحد فلما كان البادئ إذا باع بنفسه انتفع جميع أهل السوق واشتروا رخيصا فانتفع به جميع سكان البلد نظر الشرع لأهل البلد على البادى ولما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقي خاصة وهو واحد في قبالة واحد لم يكن في إباحة التلقي مصلحة لا سيما وينضاف إلى ذلك علة ثانية وهي لحوق الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم بالرخص وقطع المواد عنهم وهم أكثر من المتلقي فنظر الشرع لهم عليه فلا تناقض بين المسألتين بل هما متفقتان في الحكمة والمصلحة. والله أعلم، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار سواء أخبر المتلقي بالسعر كاذباً أم لم يخبر وإن كان الشراء بسعر البلد أو أكثر فوجهان الأصح لا خيار له لعدم الغبن، والثاني: ثبوته لإطلاق الحديث. انتهى.
وفي المحلى بالآثار - (ج 1 / ص 3872)
1469 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَلَقِّي الْجَلَبِ -:سَوَاءٌ خَرَجَ لِذَلِكَ أَوْ كَانَ سَاكِنًا عَلَى طَرِيقِ الْجَلَّابِ , وَسَوَاءٌ بَعُدَ مَوْضِعُ تَلَقِّيهِ أَمْ قَرُبَ - وَلَوْ أَنَّهُ عَلَى السُّوقِ عَلَى ذِرَاعٍ فَصَاعِدًا , لَا لِأُضْحِيَّةٍ , وَلَا لِقُوتٍ , وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ , أَضَرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ أَوْ لَمْ يَضُرَّ. فَمَنْ تَلَقَّى جَلَبًا - أَيَّ شَيْءٍ كَانَ - فَاشْتَرَاهُ فَإِنَّ الْجَالِبَ بِالْخِيَارِ إذَا دَخَلَ السُّوقَ مَتَى مَا دَخَلَهُ وَلَوْ بَعْدَ أَعْوَامٍ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ , أَوْ رَدِّهِ , فَإِنْ رَدَّهُ حُكِمَ فِيهِ بِالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ بِرَدِّ الْعَيْبِ لَا فِي الْمَأْخُوذِ بِغَيْرِ حَقٍّ , وَلَا يَكُونُ رِضَا الْجَالِبِ إلَّا بِأَنْ يَلْفِظَ بِالرِّضَا , لَا بِأَنْ يَسْكُتَ - عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ - فَإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ بَاقٍ , فَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يُمْضِيَ فَالْبَيْعُ تَامٌّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -:مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ - أَنَا أُبَيٌّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: {إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُتَلَقَّى السِّلَعُ حَتَّى تَبْلُغَ الْأَسْوَاقَ}. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ التَّيْمِيِّ - هُوَ سُلَيْمَانُ - عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - {أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ}. وَرُوِّينَا نَحْوَهُ مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: أَنَا هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي هِشَامٌ الْقُرْدُوسِيُّ - هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ " إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: {لَا تَلَقُّوا الْجَلَبَ فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ}. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبِي تَوْبَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ فَإِنْ تَلَقَّاهُ مُتَلَقٍّ فَاشْتَرَاهُ فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ إذَا وَرَدَتْ السُّوقَ}. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ , رَوَاهُ خَمْسَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَرَوَاهُ عَنْهُمْ النَّاسُ - وَبِهَذَا قَالَ السَّلَفُ -:رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ فَمَنْ تَلَقَّى جَلَبًا فَاشْتَرَى مِنْهُ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إذَا وَقَعَ السُّوقَ - وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا , وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ , لَا =
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 230