اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 151
مقصدها -،ولا مانع شرعاً البتة أن تستعمل لتحيق بعض أهداف الدعوة أو إنكار المنكر، وكل ذلك ما لم تُفْضِ إلى الوقوع في منكر أكبر.
وفي هذا الباب يحصل المسلمون في بلاد الغرب - حيث تنص غالب الدساتير على حقوق الشعوب باستعمال هذه الوسائل - على كثير من حقوقهم ويخففون الأذى عليهم من أعداءهم، مستغلين هذه الوسائل المسوح بها وإذاعة وسائل الإعلام لها لإيصال صوتهم إلى العالم، وكل ذلك مشروع ما لم يفض إلى محرم أشد ضرراً.
هذا، وتحقيق هذه الفتوى على الواقع، يجتهد فيه أهل كل بلد ممن له أهلية ذلك لأنهم أعرف بأحوالهم، ولا عجب أن يفتي بتحريم هذه الوسائل مطلقاً من ينكر وجود سلطة في العالم تسمح لمواطنيها بالاحتجاج العلني عليها، ويقول حتى لو وجدت فلا تلبث أن تبطش بهم، غير أنه لم يعد خافياً أن وجود مثل هذه القوانين التي تعطي الشعب حق الاعتراض والنقد العلني كحرية الصحافة وتنظيم وسائل الاحتجاج الجماعية ونحوها، إنما يتحقق في الأنظمة التي تقوم على فصل السلطات، وفيها تكون السلطة التنفيذية ما هي إلا سلطة واحدة من الدولة والشعب يشارك فيها بقوة القانون أيضاً، وتشاركهم في اتخاذ القرارات - بل هي المخولة أصلاً ـ ولها حق مراقبة الحكومة وتفرض عليها الخضوع للقوانين التي منها حقوق الرعية بالتعبير عن رأيهم، فحتى لو كرهت السلطة التنفيذية الإنكار عليها فإنها لا تستطيع أن تمنع ذلك وتتجاوز صلاحياتها، حتى ربما استطاع الشعب عبر ممثليه أن يغير السلطة التنفيذية، ويأتي بغيرها، وكل ذلك يكثر وجوده في حكومات العالم الغربي حيث يعيش المسلمون هناك وربما احتاجوا إلى تلك الوسائل لحماية أنفسهم ودينهم، وتوجد في بعض البلاد الإسلامية كذلك، هذا والواجب أن يتعرف المفتي على هذا الواقع حتى يعلم تحقق قاعدة سد الذرائع في البلاد التي أفتى لأهلها بالمنع المطلق أم لا.
هذا، وإنه لمن المقرر في أحكام الفتوى وآدابها أن لا يقصر المفتي نظره على البلاد التي يعيش فيها فحسب، ويرى العالم كله من خلالها، ويبني الفتوى على ما يراه حوله فقط، فإن هذا من شأنه أن يجعل الفتوى تأتي بضد مقصودها.
كما ننبه هنا أنه لا يجوز أن نغفل سد ذرائع المنكر، عندما ننظر إلى سد ذرائع الأضرار التي تترتب على إنكار المنكر، فقد يكون المنكر منكراً إلى درجة يهون معها وقوع الأذى الجزئي في إعلان النكير على فاعليه حتى لو كانت السلطة، فلا شيء يبيد النعم كظلم السلطة، وقد ورد في الحديث (أخوف ما أخاف عليكم حيف الأئمة) [1] وفيه (أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ) [2] ولهذا صار أعظم الجهاد الإنكار على جور السلطان، لأن في استمراره على جوره وقوع الفساد العام، وإنما تحل العقوبة [1] - الإبانة الكبرى لابن بطة برقم (1518) ومسند البزار برقم (507) صحيح لغيره [2] - سنن أبى داود برقم (4254) صحيح
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 151