responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 147
"وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَمَيَّزْنَا بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَبَيَّنَّا أَنَّ السُّنَّةَ هِيَ مَا قَامَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ سَوَاءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ فُعِلَ عَلَى زَمَانِهِ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَمْ يُفْعَلْ عَلَى زَمَانِهِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي حِينَئِذٍ لِفِعْلِهِ أَوْ وُجُودِ الْمَانِعِ مِنْهُ ".
وانطلاقاً من هذا الفهم الدقيق استعمل الصحابة وعلى رأسهم عمر رضي الله عنه وسائل لم تكن على زمن التنزيل إن لم يرد فيها نص مانع، كما أنشأ عمر الدواوين وكما جعل دية قتل الخطأ على أهل الديوان وجعلهم العاقلة بدل العصبة، وكان فقهه رضي الله عنه قائم على هذا الفهم السديد للشريعة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فَإِنَّ جُنْدَ الشَّامِ كَتَبُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إنَّا إذَا لَقِينَا الْعَدُوَّ وَرَأَيْنَاهُمْ قَدْ كَفَّرُوا - أَيْ: غَطَّوْا أَسْلِحَتَهُمْ بِالْحَرِيرِ - وَجَدْنَا لِذَلِكَ رُعْبًا فِي قُلُوبِنَا. فَكَتَبَ إلَيْهِمْ عُمَرُ: وَأَنْتُمْ فَكَفِّرُوا أَسْلِحَتَكُمْ كَمَا يُكَفِّرُونَ أَسْلِحَتَهُمْ) [1].
ولم يقل عمر إنه تشبه بالكفار ولا قال لم يكن ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،مع أن لبس الحرير قد ورد فيه النهي، غير أن الفقهاء أجازوه للضرورة في القتال ولهم قولان في لبسه لإرهاب العدو، وإنما لم يقل عمر رضي الله ذلك لأنه من باب الوسائل وما كان كذلك لا يكون من الإحداث في الدين , كما أنه يباح للمصلحة الراجحة، كرؤية المخطوبة ونحو ذلك مما عرف مواضعه في الفقه، وكما جمع الصحابة المصحف، وكما أمر عثمان بتحريق المصاحف إلا واحداً درء للفتنة.
وكل من جرب القضاء والفُتيا العامة، وفي النوازل تيقن ما ذكرناه هنا، ولهذا لا يسلم من يحرم الوسائل العصرية للاحتجاج الجماعي بحجة أنها محدثة من تناقض أيضاً، فتجده يجيز ما لا يحصى من وسائل الدعوة وتحصيل العلم والجهاد وغيرها مما لم يكن في العصر الأول فإذا جاء إلى هذه الوسيلة حرمها لأنها لم تكن في العصر الأول فيا للعجب.
وأما المسلك الثاني: فالتاريخ الإسلامي حافل منذ العصور الأولى بشواهد القيام الجماعي لإنكار المنكر، والعجب كل العجب ممن ينكر هذا مع استفاضته، ويَدَّعِى أن السلف لم يفعلوا شيئاً منه، ومن ذلك:
ما جاء عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى ذُبَابٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ». فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ. فَرَخَّصَ فِى ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ» أخرجه أبو داود [2].

[1] - مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 27) ... ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 313) وفتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 3428)
[2] - سنن أبى داود برقم (2148) صحيح =ذئر: اجترأ
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 147
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست