اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 146
وحتى الكلاب البوليسية، وغيرها من الوسائل الحديثة في مكافحة الجريمة، ومعلوم أن مكافحة الجريمة من إنكار المنكر، بل ولاية الدولة كلها إنما المقصود بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما بينا.
والأمثلة لا تحصى في هذا الباب، وكل هذه الوسائل لم تكن في العصر الأول، وكل ذلك لا يدخل في الإحداث في الدين، ولا يفتي بذلك من يعرف مقاصد الشريعة ولا من يعلم قواعد الفقه وأصوله التي تنبني عليها الأحكام، ولهذا يفرق العلماء بين ابتداع ذكر على هيئة مخصوصة لم تشرع وبأذكار مخترعة لم ترد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو السماع الصوفي، ويجعلون كل ذلك بدعة، وبين استعمال وسيلة السبحة لِعَد الأذكار المشروعة والواردة في السنة، ولشيخ الإسلام فتوى مشهورة بإباحة السبحة لأنها من باب الوسائل، وإن كان في ذلك خلاف مشهور لكن المقصود أنه لا ينكر على فاعله، كما يفرّقون بين الزيادة على ألفاظ الأذان لأنها بدعة، وبين استعمال المآذن العالية وسيلة لتبليغ الصوت كما في الحرمين فهو مشروع، ويفرقون بين الزيادة على خطبتي الجمعة خطبة ثالثة أو صلاة الظهر بعدها فهما بدعتان، وبين جعل المنبر أكثر من ثلاث درجات إن احتيج إلى ذلك لكثرة الناس فهو مشروع وكذا أن تكون الخطبة بِلُغَةِ المصلين إذا لم يكونوا من العرب فهو مشروع مع أنه لم يفعل على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وحتى في باب الإمامة العظمى ينبغي التفريق بين بدعة توريثها على سبيل المثال، وبين استعمال وسائل أكثر فاعلية لانتخاب وبيعة الإمام وتنظيم سلطات الدولة، لضمان سلامة أداءها لواجباتها، فهذه وسائل تتبع حكم مقاصدها، وتلك - توريث الإمامة العظمى - بدعة لا تجوز إلا لدفع ضرر أكبر كخشية وقوع نزاع يفضي إلى فتنة بين المسلمين وضرب وحدة الأمة.
والمقصود أن الأمثلة لا تحصى والتفريق بين الأمرين: (البدعة المحرمة والوسائل التي لها حكم مقاصدها) لا بد منه شرعاً وعقلاً، بل لو حرمت كل وسيلة عصرية يتوصل بها إلى أداء ما أمر الله تعالى به أو ندب إليه، لكان ذلك من الضلال المبين والجناية على الدين، بل تحريم هذه الوسائل في حد ذاته بدعة شنيعة.
والقاعدة في هذا الباب أن الوسائل التي يتوصل بها إلى امتثال الشرع لا تمنع لمجرد كونها لم تكن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عصر السلف، لأنها قد لا توجد لعدم المقتضى حينئذ لفعلها في عهده - صلى الله عليه وسلم -،إما لأنها لم في ذلك الزمان أصلاً، أو لعدم الحاجة إليها في ذلك العصر , أو لوجود مانع من ذلك , كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ([1]): [1] - مجموع الفتاوى - (ج 21 / ص 317) ومجموع الفتاوى 21/ 381 و ومجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 462)
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية الجزء : 1 صفحة : 146