responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 130
الأولى: أن تولي السلطة واحتكار أدوات القوة والقدرة على استعمال العنف مدعاة إلى الاستبداد ضرورة انقياد الطبيعة البشرية لحب التسلط المركوز فيها، وهذه الطبيعة وإن كانت يمكن معارضتها بالوازع الذاتي، غير أنه محجوب في طي القلوب، ولا يمكن ضمانه أو ضمان استمراره، فضلاً عن أن باب ارتكاب المحظورات بالتأويل مفتاحه الاستبداد بالرأي، وهو ملاصق للسلطة المطلقة من القيود، وهذا الباب قد دخل منه من ظنَّ فيه الاستقامة والمثالية وقوة الوازع الذاتي الذي يفترض أن يمنع من سوء استعمال السلطة إلى ارتكاب عظائم من التعسف في استعمال السلطة باسم الدين، فإذن تقييد السلطة والحسبة بمعنى الرقابة والمحاسبة الشعبية للسلطة ضرورة اجتماعية.
الثانية: أن تضخم أجهزة الدولة في العصر الحديث وتشعبها إلى مختلف أنشطة الحياة وتملكها إلى جانب استعمال أدوات العنف (الشرطة، الأمن، الجيش، أجهزة الاستخبارات .. إلخ)، أدوات تمكنها من تشكيل العقول وصياغتها وخداعها (الإعلام، التعليم .. إلخ) وأدوات التحكم في الإنتاج والاقتصاد ومستوى حياة الأفراد المعيشية وقدرتها على زيادة هامش التحكم في المجتمع وزيادة توسيع صلاحياته المركزة وإخضاعه من فوقه بشتى أنواع الإخضاع، كل هذا يقتضي بالضرورة العقلية والواقعية عدم ترك السلطة التي هذا شأنها بلا قيود، لأن سوء استعمال السلطة والحالة هذه يؤدي إلى كوارث شاملة ماحقة قد تصل إلى تقويض المجتمع وزواله، أو تغيير جذريٍّ في تاريخه، وكم من أمم ودول زالت وصارت تاريخاً، بسبب الاستبداد وترك السلطة بلا قيود.
ومن يستقرأ تاريخ الأمم يلحظ بوضوح تلك النقطة البارزة التي كانت وراء الدمار الهائل الذي أصابها في كثير من الأحيان، وهي نقطة استبداد الدولة، ومن الأمثلة القريبة النظام الفاشستي الذي تولى كبره موسوليني، وعرفه بقوله: (إن المفهوم الفاشستي للدولة مفهوم شامل، وخارج نطاقه لا وجود لقيم إنسانية أو روحية، ولا لأي قيمة أخرى، كثر ذلك أو قل، وبالنسبة للفاشستية الدولة مطلقة، والأفراد والمجموعات لا يقبل بهم إلا بقدر ما يتصرفون وفق ما تريده الدولة)،وقد اعتبر هذا التفسير الرسمي للفاشستية بمثابة ميثاق عام للشيوعية، ولا يخفى أن الإنسان لم يكن له أي اعتبار، ولا لأي قيم روحية أخرى في الأنظمة الاستبدادية التي عملت بهذا المفهوم سواء في بلادنا العربية وغيرها، وإهدار قيمة الإنسان وحقوقه يعد في حد ذاته، كارثة لا تدانيها أية كارثة.
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً ما لقيته الشعوب الروسية من فرض التجربة الماركسية فرضاً باستبداد الدولة حتى قال: (يلتسن) رئيس روسيا السابق، واصفاً ما لقيه شعبه: (إن بلادنا ليست محظوظة، فقد فرض علينا تنفيذ التجربة الماركسية والقدر هو الذي دفع بنا في هذا الاتجاه، وبدلاً من أن تتم هذه التجربة على دولة ما في أفريقيا مثلاً فقد بدؤوا بنا، وفي النهاية استطعنا إثبات أنه لا مكان لهذه الفكرة، ولكن بعد أن دفعت بنا بعيداً عن مسار الدول المتحضرة في العالم، وينعكس علينا هذه اليوم حيث أن 40 / من الشعب يعيش تحت خط الفقر، فضلاً عن الإهانة المستمرة التي

اسم الکتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود المؤلف : ابن تيمية    الجزء : 1  صفحة : 130
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست