اسم الکتاب : نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين المؤلف : آمال صادق الجزء : 1 صفحة : 487
هؤلاء السيد وليام أوسلر W. Osler الذي كان طبيبًا شهيرًا وأستاذًا للطب في جامعة جون هوبكنز, ثم تقاعد من هذا المنصب الجامعي في سن 55 عامًا, ورحل إلى إنجلترا ليشغل منصبًا آخر في جامعة أوكسفورد، قال في عام 1905 بطريقةٍ نصف جادةٍ، نصف ساخرةٍ, مداعبًا أولئك الذين تعدوا الستين، وناصحًا بشكلٍ أكثر جديةٍ بإعطاء الشباب فرص إدارة شئون الحياة:
"إن العمل الفعَّال والإيجابي والحيوي, إنما يتم بين سن الخامسة والعشرين وسن الأربعين، هذه السنوات الخمس عشرة الذهبية هي التي تؤلف الفترة المثمرة والبناءة, والتي يكون فيها التوازن جيدًا بين المصرف والائتمان العقليين.
وقد دعَّمَ هذه الصورة بعد60 عامًا عالم الأنثروبولوجيا البريطاني المعاصر أدوموند ليتش ELeach في سلسلةٍ من المحاضرات ألقاها في الإذاعة البريطانية عام 1967، وربطَ معالم التدهور العقلي مع التقدُّمِ في السن بالتغيرات التكنولوجية التي يشدها العصر, وما يصحبها من أنواعٍ جديدةٍ من المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم، مما يجعل ما لدى المسنين "الذي يتجاوزون في رأيه الخامسة والخمسين" من آراء ومهارات غير مرتبطة بالحياة في الحاضر أو المستقبل.
هذه هي أوهام المتعلم الراشد المتقدم في السن نوعًا ما عن نفسه، بعضها ينجم عن اعتقاد الراشد في نفسه, أو اعتقاد الآخرين فيه، والتي تعطي صورة متدهورة للقدرة، كما تخلق صعوباتٍ جمَّةٍ للمعلِّم المهتَّم بتعليم الراشدين، خاصةً حين تكون الفصول في معظمها من المتقدمين في السن, وقد يستخدم بعض هؤلاء المتعلمين "أوهام العمر" هذه لتجنب "مصاعب" التعلُّم الحقيقي، وكأن لسان حاله يقول: "لا تطلب مني عملًا شاقًّا، فأنا لا أستطيع بسبب كِبَرِ سنِّي". وقد يكون هذا السلوك حلًّا لا شعوريًّا لمشكلة الخوف من الفشل إذا بذل بالفعل جهودًا جادة في التعليم، إن مثل هؤلاء يكونون بالفعل قد فقدوا ثقتهم في قدرتهم على العمل.
وقد ناقشنا مسألة العلاقة بين الرشد والسلوك فيما سبق من فصول هذا الباب، ومنها يتضح أن نتائج البحوث تؤكد أن التدهور -إن حدث- لا يكون حادًّا بالصورة التي أشاعتها الأقوال الفولكلورية والكتابات الأدبية والصحفية التي أشرنا إلى أمثلة منها, وحتَّى ولو حدث بعض التدهور فهناك ما يعوضه، فمثلًا إذا كانت ذاكرة المدى القصير تتدهور "في الشيخوخة مثلًا", فإن ذاكرة المدى الطويل قد تتحسن، كما أن هناك عوامل لا تقل أثرًا في السلوك, ومنها التعليم والممارسة, وربما مع شيوع نتائج البحوث العلمية في هذا الميدان قد تتغير هذه الصورة "الكئيبة" التي رُسِمَتْ على مدى العصور للتقدُّمِ في مراحل الرشد.
اسم الکتاب : نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين المؤلف : آمال صادق الجزء : 1 صفحة : 487