اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 85
وبعد مناقشتنا للفروض المنهجية الأربعة لعلم العمران نستطيع التقدم بإجابات متوازنة عن الأسئلة التي سبق أن وجهناها في بداية البحث[1]. فقد كان مما يدعو إلى القلق أن يؤدي التعارض الشديد في الآراء حول منهجه أن يظن قارئ المقدمة أن هذا المنهج يفتقر إلى التماسك, وإلى خط واضح مميز. وفي الواقع كان من الممكن أن نصل إلى هذه النتيجة -كما أوضحنا- لو أجرى البحث بشكل جامد وعلى أساس التفرقة بين الظواهر بأسلوب الأبيض والأسود. ولكن مثل هذه الطرق والأساليب غير العملية في البحث مضللة, علاوة على أن ابن خلدون نفسه عارض التفسيرات الجامدة للأحداث والظواهر كما عارض أيضا التفسير الجامد لبعض المبادئ التي كانت مطبقة في الخلافة الإسلامية[2]، وفضل على ذلك التفسيرات والمفاهيم النسبية.
فمثلا إذا قصرنا دراستنا لكتابات ابن خلدون على العلاقة المتبادلة بين الدين والمجتمع, فإن النتيجة التي سنخرج بها هي أنه مفكر مثالي. وبالمثل إذا قصرناها على تفسيراته الاقتصادية, أو حججه المادية الكثيرة التي استعان بها, فإننا سنعتقد أنه مفكر مادي. وحيث إننا لا نستطيع أن نلجأ إلى مثل هذا التكنيك في تحليلنا؛ لأن المفكر الذي نتعرض لمنهجه بالدراسة هو نفسه الذي طبق كلا من الأسلوبين المشار إليهما, فإنه يصبح من غير المأمون دمغ منهجه بأي من هذين التعميمين المتطرفين المشتقين كل على حدة من أسلوب معالجة يبدو ثنائيا في الظاهر. لهذا فإننا لا نستطيع القول: إن منهجه يستند فقط إلى أساس ديني كما لا نقدر على دمغه بأنه مادي. والاستنتاج الذي يمكن أن نخرج به من كل مناقشاتنا هو أنه منهج مركب, وجديد يضاعف من قيمته وأصالته أن ابن خلدون -وهو المؤمن الغيور على الدين- لم يسبق بأي مفكر من أية عقيدة سياسية أو دينية نجح في التوصل إلى ما توصل إليه من معالجة علمية مبتكرة [1] انظر أعلاه صفحة 55. [2] راجع في ذلك دراستنا لموقفه من العلاقة بين تدهور الخلافة الإسلامية وظاهرتي تنصيب خليفتين في آن واحد والتخلي عن مبدأ القرشية أي: عن شرط أن يكون الخليفة من قبيلة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي قبيلة "قريش". فبالنسبة للظاهرة الثانية مثلا نلاحظ أسلوبه =
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 85