اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 80
على كافة أوجه العصبية بالشكل الذي شرحناه آنفا. ولكن بعد أن يخرج الترف عن الحد ويسود الفساد والظلم, فإن فرعا من فروع العصبية الذي لا يزال يحتفظ بالصفات الأولى من صلابة, وحيوية قد يلعب دور السبب مرة أخرى في إحداث صراع صغير على السلطة بين الأجنحة المتنازعة للعصبية, ويولي حاكما جديدا مكان الحاكم الضعيف[1].
يتضح من هذا استحالة اتخاذ موقف جامد من العلاقة بين العصبية والعمران البشري -سواء كان يدويا أو حضريا- بمعنى أن أيا منهما لا يمكن اعتباره سببا مطلقا, أو نتيجة مطلقة.
وأخيرا نستنتج أن ابن خلدون كان يعتقد بوجود علاقة ديناميكية بين الأسباب, والنتائج لا تترك أيا منها في مكانها بشكل جامد. فالأسباب لا تظل دائما أسبابا وكذلك الحال بالنسبة للنتائج, وإنما هناك حركة وتغير دائمان وحلول للأسباب محل النتائج وبالعكس وذلك في سلسلة متصلة من ردود الفعل المتبادل. [1] M. M. Rabie, The Political Theory of lbn Khaldun, op. cit. pp. 54, 55.
الفرض الرابع: القيود المفروضة على التعليل المثنوي, والميتافيزيقي
أ- القيود المفروضة على التعليل المثنوي, أو الثنائي:
حتى نستطيع إثبات النصف الأول من هذا الفرض المنهجي نشير بداءة ذي بدء إلى ظاهرتين يمكن ملاحظتهما من خلال مناقشاتنا السابقة. الأولى: أنه يبدو أن ابن خلدون في تناوله للمسائل الإيمانية ودور الدين في العمران كان يلجأ إلى القرآن الكريم, والسنة النبوية؛ ليستلهم منهما الإجابة على ما يعترضه من موضوعات. والثانية: أنه فيما خلا هذا الميدان كان يطبق الأسلوب العقلاني ليفسر كافة الظواهر ذات الطبيعة الزمنية. ولكن الأهم في نظرنا هو أنه لم يطبق هاتين الظاهرتين من طرق المعالجة بشكل جامد, أو في عزلة تامة عن بعضهما
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 80