اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 143
ويلتمس بعض المفكرين العذر, كما يقوم غيرهم بتفسير أسباب نغمات الحزن والضجر والخوف والقلق والضياع التي تتسم بها الوجودية فيرجعها إلى الظروف الصعبة التي مرت بالعالم منذ الحرب العالمية الأولى, والتأثيرات الضارة الناتجة عن ذلك, وخاصة في ألمانيا بعد هزيمتها في تلك الحرب ثم في فرنسا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية.
لقد مهد كل ذلك السبيل في رأيهم لظهور الفلسفات القائلة باللامعقولية الشاملة, وانتشار فكرة العدم بعد إنكار العقل وإنكار وجود الله "س". فوجودية هايدجر وسارتر ومذاهب كامي وباتاي ترجع في أصلها إلى ذلك التيار المروج لفكرة اللامعقول، وكلها تجعل للقلق واليأس شأنا كبيرا وترسم ملامح حقبة معذبة[1].
ويندر أن تتشبع فلسفة معاصرة بكل هذا القدر من الكآبة مثلما نجد في الوجودية حتى إن الفيلسوف باسكال اعتبر ضمن رواد الوجودية الأوائل بسبب النغمة الحزينة المتباكية في كتاباته, والتي يعلق عليها الفيلسوف والأديب الفرنسي أندريه جيد بقوله: "إن القيمة العليا لباسكال ترجع في نظري اليوم إلى النغمة الحزينة المتباكية، ولا توجد إلا في هذه النغمة، أواه, إنني أعلم جيدا أنني لا أستطيع أن أعيد قراءة جمل معينة له دون أن أنشج بالبكاء".
وهذا هايدجر -أحد أعلام المذهب الكبار- يرى أن الحياة الحقة تكون في اليأس. بينما ذهب كامي خطوة أبعد, إذ رغم المعاني التي قصدها من الفقرة التالية, فإننا لا نستطيع التغاضي عن نغمتها التي تربطها بالتيار الوجودي العام. [1] Morton White The Age of analysis "The 20 th Century Philosophers", Mentor, New York, Eighth printing 1963 "first publ. 1955"., p. 117.
ريجيس جوليفيه، المذاهب الوجودية، مرجع سابق، ص23-25.
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 143