اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 108
لكن ليس هناك علم يبحث في الوجود ككل, غير مقسم إلى موجودات محسوسة؛ لأن هذه هي مهمة ما بعد الطبيعة.
يضاف إلى ذلك أن العلوم تفترض وجود مدركات عقلية, أو قضايا أولية تستخدمها كمقدمات دون التدليل على صحتها. فعالم الهندسة الذي يبحث في المكان وطبيعته يفترض أن الخطين المتوازيين لا يلتقيان مهما امتدَّا، أو أن الكميات المتساوية متى أضيفت إلى كميات متساوية كان الناتج كميات متساوية. بالمثل يفترض عالم الطبيعة وجود المادة ويتقدم من هذا الفرض إلى وضع قوانين ... وهكذا. المهم أن كل هذه الافتراضات والقوانين تستخدمها العلوم كبديهيات قبلية سابقة على كل تجربة.
على عكس ذلك, فإن البحث في حقيقة المادة أو صحة قانون العلية أو عدم التناقض لا يدخل في مجال العلم, ولا يعالج بمناهجه التجريبية, وإنما هو مهمة البحث الميتافيزيقي في رأي أنصار الفلسفة التقليدية الذين يستندون إلى تلك الفروض لبيان الحاجة إلى ما بعد الطبيعة كوسيلة لإثبات صحة الافتراضات التي تبدأ بها العلوم.
يستخلصون من ذلك أن "العلم قد نشأ في أحشاء الفلسفة, ثم ترعرع ونما في رعايتها حتى إذا استقل عنها أخذ يتوقف في تفسيره للأشياء عند عللها القريبة، ويترك للأم أن تواصل البحث عن العلل البعيدة, والمبادئ القصوى"[1] أي: إن المدرسة الوضعية أخطأت في إنكار موضوع الفلسفة التقليدية, أو الظن بأن العلم قد احتل مكانها كما أخطأت في ادعائها أن تلك الفلسفة أصبحت غير ذات موضوع.
اتجهت الفلسفة الماركسية أيضا إلى نقد الوضعية, انطلاقا من أنها لم تكن منذ البداية سوى رد فعل البرجوازية الصاعدة لمذهب القانون الطبيعي السائد [1] المرجع السابق ص290، 291.
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 108