اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 106
عن معلومات كثيرة متفرقة, ولكنها ناقصة لا تعبر عن الإنسان كما نعرفه.
فعلم وظائف الأعضاء يمكن أن يفسر الإنسان من حيث هو مركب من أنسجة وأعصاب وعظام وأوعية دموية. وعلم الكيمياء يحلل تلك المركبات إلى عناصرها, وعلم الطبيعة يسهم في تقديم معلومات عما يحتويه الإنسان من بروتونات وإلكترونات. ويصور علم النفس الإنسان على هيئة أحداث عقلية وإحساسات وخيالات, ويزودنا التحليل بمكنونات اللاشعور ... إلخ. كذلك تسهم العلوم الأخرى كالاقتصاد والاجتماع بدراسات عن الإنسان, كل من زاوية اختصاصه.
غير أن الإنسان يظل في النهاية مغايرا لذلك الركام الضخم من المعلومات, سواء بصورة متفرقة أو مجتمعة. فهذه المعلومات مهما كانت دقيقة تظل ناقصة في التعبير عن حقيقة, وماهية, وجوهر الإنسان ككل.
إن الإنسان ليس مجرد تركيبه من أجزاء أو ذرات من الماء والدهون والكربون والفوسفات والحديد والجير والكبريت والماغنسيوم, كما أن خلط تلك المواد بنسب صحيحة كما أوضحتها التجارب لا يعطينا إنسانا. معنى ذلك أن معرفة طبيعة, وماهية الإنسان تحتاج إلى معرفة شخصيته ككل مترابط, له صفات وخواص ذاتية معينة هي في نفس الوقت أكبر وأعلى من مجموع تلك الأجزاء[1].
لهذا فإنه رغم صدق ودقة العلوم التجريبية, فإن التعرف على حقيقة الإنسان كشخصية متكاملة يستلزم ما هو أكثر من البيانات العلمية المتفرقة، ويحتاج إلى منهج آخر غير مناهج العلوم ذلك هو ما يسميه الفلاسفة بالحدس أو التخمين أي: ذلك الإدراك السريع الفطري المباشر القادر على إدراك الإنسان موحدا في كل.
لعل هذا يشرح مقولة: إن الفلسفة تتجاوز مجرد كونها بحثا نظريا أو تأملا عقليا, كما أنها تتجاوز أيضا دراسة العالم الواقعي المحسوم وحقائقه المستمدة [1] زكريا إبراهيم، مشكلة الفلسفة، مرجع سابق، ص81، توفيق الطويل, أسس الفلسفة، مرجع سابق، ص58، 59.
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 106