اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 104
يتلخص رأيه حول هذا الموضوع[1] في أن ذلك المذهب لن يكون غاية في حد ذاته, وإنما وسيلة لإعادة التجانس الفكري بوضع ديانة جديدة تتميز بعقائد واضحة يمكن البرهنة عليها من جهة، كما أنها لا تتطلب من جهة أخرى الإيمان بشيء يتناقض مع العقل.
معنى ذلك في رأيه أن العلوم الوضعية يمكن أن تكون أساسا لإيمان يقوم على براهين واضحة، وأن الدين الجديد وهو ديانة الإنسانية يختلف اختلافا تاما عن مذهب الألوهية لدى مفكري القرن الثامن عشر، كما أنه يختلف أيضا عن الديانة المسيحية التي تقرر أن العقيدة تتناقض مع فكرة البرهنة عليها.
على العكس من ذلك, فإن الحقائق العلمية التي يعتمد عليها الدين الجديد يمكن البرهنة على صدقها, وفي وسع كل إنسان أن يفهم هذه البراهين لو استطاع تحصيل مقدماتها. ويدافع كونت عن ضرورة دينه الجديد الذي يبشر به, انطلاقا من أن العقل الإنساني لم يعد يقنع بالتفسير اللاهوتي أو الميتافيزيقي, خاصة وأن الاضطراب الذي أعقب الثورة الفرنسية لم يكن يرجع إلى أسباب سياسية بقدر رجوعه إلى الاضطراب الأخلاقي الذي نتج عن انهيار العقائد التي أصبحت العقول غير مستعدة لقبولها.
بناء عليه، يتعذر تحقيق الإصلاح الاجتماعي بدون القضاء على الفوضى المترتبة على الأخذ بمنهجين متناقضين هما: المنهج الوضعي "الذي يسميه العلمي" والمنهج اللاهوتي الميتافيزيقي. فمن جهة يسلم الناس بخضوع الظواهر الطبيعية لقوانين صارمة، بينما ينكرون من جهة أخرى سريان تلك القوانين على الظواهر الاجتماعية. إن الانسجام الفكري التام لن يتحقق من وجهة نظره إلا بتطبيق المنهج الوضعي في جميع العلوم الطبيعية والاجتماعية. عندئذ يمكن وضع فلسفة علمية تستبعد الفكر اللاهوتي الميتافيزيقي. [1] المرجع السابق، ص400.
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 104