اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 103
الثورة الأسس اللازمة لإجراء تغييرات جذرية في النظم والمذاهب السياسية والاجتماعية والمفاهيم الدينية خاصة. وقد تخلفت كثير من المشاكل الناجمة عن العلاقات المضطربة في العصر الوسيط, وبداية الحديث بين الكنيسة من جانب, وبين السلطات السياسية والشعوب الأوروبية من جانب آخر.
وجه كونت نقدا للمفكرين الذين اقترحوا بعض الإصلاحات الاجتماعية, وقصد بذلك سان سيمون بالدرجة الأولى لتركيزه على الجوانب الاقتصادية من تلك الإصلاحات. أما كونت فكان يرى أن الاستقرار الاجتماعي يتوقف على الاستقرار الأخلاقي, الذي يتوقف بدوره على وجود تجانس فكري يمكن تحقيقه عن طريق تسليم الكافة بعقائد مشتركة.
يرتب كونت على ذلك عدم جدوى إجراء أية إصلاحات اجتماعية قبل إصلاح الدين والأخلاق أولا، وفي هذا يقول: "إنني أعد كل مناقشة تدور حول النظام الاجتماعي مناقشة لا طائل تحتها, ما دام المجتمع لم ينظم تنظيما روحيا"[1].
لكن أي دين يقصد؟ لقد كان له مفهوم خاص حول ذلك، فهو لم يكن يعتقد أن أية عقيدة، يمكن أن تقوم بهذه المهمة. فالمذهب الكاثوليكي مثلا لا يستطيع تحقيق التجانس الفكري المطلوب لاضمحلاله نتيجة الميراث الثقيل للكنيسة, وتحالفها مع الإقطاع خلال العصر الوسيط؛ مما أدى إلى تقليص سلطانها وصلاحياتها بعد الثورة الفرنسية.
بالمثل، فإن المذهب الفلسفي الذي يمكن أن يسد ذلك الفراغ الروحي لا يمكن أن يقوم على التفكير القياسي المنطقي الذي فات أوانه, أو تخطته علوم وظروف العصر. ولما كان كونت يعتبر الوضعية خلاصة للحقائق التي تتوصل إليها العلوم, فإنه ظن بإمكان اتخاذها كأساس لمذهب جديد يملأ الفراغ الروحي. [1] المرجع السابق، ص399.
اسم الکتاب : مناهج البحث في العلوم السياسية المؤلف : محمد محمود ربيع الجزء : 1 صفحة : 103