فإن رعاية التغيرات النمائية في هذه المرحلة كفيلة بأن تمكِّن المسنَّ من أداء أدواره في المجتمع على أفضل وجه ممكن, ولا شك أن كثيرًا من العلماء والمفكرين والزعماء والقادة والمصلحين يدخلون ضمن هذه الفئة. من هنا: يشير "سكينر" skiner إلى أنَّ النمو: "عملية تنطوي على استمرار التوافق adjustment مع متطلبات مراحل العمر".
ولما كانت الحياة بالنسبة للكائن الحي هي النمو، تنشأ التربية كعملية داخل عملية الحياة ذاتها؛ لتؤدي إلى التوافق والتكيف بالبيئة عبر مراحل الحياة. وهذا ما دفع هافيجهرست havighurst "1953" إلى عمل قوائم بمطالب النمو developmental tasks بالنسبة للمستويات العمرية المختلفة, ويعرف مطلب النمو بأنه: المطلب الذي يظهر في فترة عمرية معينة من حياة الفرد، ويؤدي التحقيق الناجح لهذا المطلب إلى شعوره بالسعادة وإلى النجاح في إنجاز المطالب اللاحقة، بينما يؤدي الإخفاق إلى شعور الفرد بالتعاسة وإلى عدم استحسان المجتمع، وإلى الصعوبة في تحقيق المطالب الأخرى "وسوف نتناول مطالب النمو فيما بعد بشيء من التفصيل".
ننتهي من ذلك إلى أنَّ النمو "سلسلة من التغيرات التقدُّمية ذات نمط منظَّم ومترابط تهدف إلى تحقيق النضج", وأن مصطلح "تقدمي" progressive" يدل على أن التغيرات تكون موجَّهة وتؤدي إلى الانطلاق بالنمو إلى الأمام ولا تعود به إلى الوراء, وأنَّ مصطلحي: "منظم" orderly "ومترابط" coherent يؤكدان أن النموَّ ليس عملية عرضية طارئة، وإنِّما هناك علاقة محدَّدة بين كل مرحلة من مراحل النمو والمراحل التي تليها في التتابع النمائي، فكل تغيُّر يستند إلى ما سبقه من تغيرات.
ونضيف إلى ما سبق أن النموَّ مشروط بالمحدِّدات الداخلية والمؤثِّرات الخارجية, ويقصد بالمحددات الداخلية: كل الأمور التي تجعل منا أعضاء في الجنس البشري "كالوراثة، البنية الجسمية، القدرات والإمكانات والاستعدادات الكامنة", وهذه الشروط الداخلية لا تظهر ولا تتحقق إلّا من خلال تحريك واستثارة المؤثرات الخارجية "البيئية - الاجتماعية - الثقافية". فكل هذه المقدرات أو الإمكانات الكامنة قد تظهر أو لا تظهر، أو تتحقق بمستوى أو بآخر وفقًا لعوامل استثارة النمو التي يوفِّرها الوسط الذي يعيشه الطفل.