اسم الکتاب : تاريخ الفلسفة الحديثة المؤلف : يوسف مكرم الجزء : 1 صفحة : 390
بالمظاهر التي لا تتعارض، أو التي لا تسبب خسارة ذات بال من القوة". وإذا تعمقنا هذا المبدأ حققنا الشرط الثاني للأخلاق العلمية؛ فبلغنا إلى أخلاق خلو من الإلزام والجزاء.
ج- ذلك بأن الحياة ليست بقاء فحسب, ولكنها ميل إلى النماء والفيض واندفاع إلى بذل الذات. ولنا شاهد على ذلك في الولادة التي هي جود بالذات, وفيما يبين عنه ترقي الأنواع الحيوانية وتعقدها من حياة متزايدة متنوعة. "الحياة هي الخصب والخصب هو الوجود الحق". "أما الأنانية فتضييق لدائرة نشاطنا ينتهي إلى إفقار هذا النشاط نفسه وإفساده"؛ فالأنانية في الواقع بتر الحياة وانتقاصها. وهكذا تجاوز وجهة النظر الفردية، فإن الفرد لا يستطيع أن يحيا تمام الحياة إلا في المجتمع وبالمجتمع، وهو يجد في الروابط الاجتماعية واللذات الفنية والحياة الخلقية بما فيها من بذل وتضحية، مصادر عواطف رفيعة جميلة قوية لا تقاس إليها عواطف الحياة الحيوانية, بدليل أن الذي يتذوقها يحس باستحالة الاستغناء عنها, فالإنسان القوي الحيوية يرى نفسه مدفوعًا نحو هذه الحياة العالية وما تتطلبه من مغامرة ومخاطرة, بغير إلزام من خارج ولا جزاء يرجى. يسقط الأمر الخلقي إذن ولا يبقى إلا "معادلات له" هي: الشعور بقدرتنا الباطنة على أن نعمل أعظم فأعظم، وتأثير الفكر على العمل, والتعاطف المتزايد والصفة الاجتماعية المتزايدة للذاتنا وآلامنا، وحب المغامرة والخطر ولذة الجهاد، وحب الفرض الميتافيزيقي الذي هو ضرب من المغامرة في الفكر. وأما الجزاء ففكرة منقودة من نواحٍ عدة، وهي لا تفهم إلا من وجهة المنفعة الاجتماعية لا من الوجهة الخلقية.
د- وعلى هذا النسق ينهج جيو في معالجة المسألة الدينية، فإنه يكرر الاعتراضات على وجود الله الواردة في تاريخ الفلسفة, ويلح في الاعتراض المأخوذ من وجود الشر في الطبيعة وفي الإنسان. ثم يقول: إن العاطفة الدينية تظل قائمة بعد الإلحاد, فما هي إلا الشعور بتبعيتنا ماديا وخلقيا واجتماعيا للكون ولمنبع الحياة المتدفقة فيه. ولكنه في الواقع يبدد الدين والأخلاق جميعًا. أين الخلقية في مذهبه؟ إن صاحب اللذة يبذل من ذاته وماله بذلًا عنيفًا في سبيل غايته، وما من أحد يعتبر سيرته خلقية. فإن قيل: إن الحياة الرفيعة هي الجديرة بأن تحيا، قلنا: وإذن فليس المثل الأعلى مطلق الحياة ومطلق البذل، بل لا بد من قاعدة
اسم الکتاب : تاريخ الفلسفة الحديثة المؤلف : يوسف مكرم الجزء : 1 صفحة : 390