اسم الکتاب : التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 9
ابن حزم في كتابه هذا، وجعلتني اعتقد أن كلمة " الشيخ " ربما تشير إلى متى المنطقي نفسه. غير ان ابن حزم لم يذكر شيئا عن متى هذا في هذه النسخة، أترى النسخة التي بين أيدينا مفتقرة إلى ذلك السند؟؛ ويحق لنا في هذا الموقف ان نتساءل: هل اطلع ابن تيمية على كتاب التقريب وان كان قد فعل فلم يناقش ابن حزم كما ناقش غيره من أنصار المنطق؟ اكبر الظنان انه اطلع عليه ولكنه لم يكن بين يديه حين ألف كتابه، أو انه لم يكن يرى في كتاب مغربي خطرا على الفكر المشرقي، فاكتفى بمهاجمة كتب المشارقة والرد عليها.
ثم: أكانت هناك ترجمات أندلسية خاصة غير تلك التي افترضنا ورودها من المشرق؟ ليس هناك جواب حاسم على هذا التساؤل وكل ما نستطيع أن نقدره هنا ان ابن حزم ربما عرف بعض الترجمات اللاتينية فانه كان يعرف هذه اللغة، وقد تعرض لذكرها في مواطن من كتاب التقريب فقال: " ومن أحكم اللغة اللطينية عرف الفرق بين المعنيين اللذين قصدنا في الاستفهام " [1] وقال مرة أخرى: " وهذا يستبين في اللغة اللطسنية عندنا استبانة ظاهرة " [2] وقال في موضع ثالث: " ولهذا المعنى في اللطينية لفظة لائحة البيان " [3] وليس بغريب أن يعرف ابن حزم اللاتينية فقد كانت حينئذ شائعة في الأندلس، أما اليونانية فلم يكن هنالك من يحسنها ولذلك نجد في التقريب ما يوحي بأنه لا يعرفها [4] غير أن مما يلفت النظر مناقشة لبعض الآراء على انها مما لم يقل به ارسطاطاليس، فهل استمد هذا من متى المنطقي أو كان يعرف أصولا دقيقة وهو ينقل عمن يسميهم " الأوائل "؟
وهناك مصدرا آخر مشرقي رشك في ان ابن حزم اطلع عليه وهو كتاب؟ أو كتب - من تأليف الناشئ الأكبر أبي العباس المعروف بابن شريشر (- 293) . وأبو العباس هذا الشاعر معتزلي ألف في الرد على المنطقيين وهو من أوائل المفكرين الذين حاولوا الطعن في المنطق أرسطو. وقد استشهد به أبو سعيد السيرافي في مناظرته مع متى المنطقي؟ وهي المناظرة التي حفظها أبو حيان في كتاب الإمتاع والمؤانسة - ويبدو مما أورده ابن حزم أن بعض آراء الناشئ كانت نوعا من السفسطة، ولذلك حمل عليه ووصفه بكثرة الهذر. [1] التقريب: 15 [2] التقريب: 52 [3] التقريب: 54 [4] انظر ص: 75 مثلا
جزيلا وعملا جيدا وسعيا مشكورا كريما واحياء للعلم؛ والا فقد درس وبلي وخفي، إلا تحلة القسم، ولم يبق منه الا آثار لطيفة وأعلام دائرة والله المستعان. ورأينا هذه الكتب كالدواء القوي، إن تناوله ذو الصحة والمستحكمة، والطبيعة السالمة، والتركيب الوثيق، والمزاج الجيد، انتفع به وصفى بنيته وأذهب اخلاطه [5و] وقوى حواسه، وعدل كيفياته؛ وان تناوله العليل المضطرب المزاج، الواهي التركيب، أتى عليه، وزاده بلاء وربما أهلكه وقتله. وكذلك هذه الكتب إذا تناولها ذو العقل الذكي والفهم القوي لم يعدم اين تقلب وكيف تصرف منها نفعا جليلا وهديا منيرا وبيانا لائحا وتنجحا في كل علم تناوله وخيرا في حينه ودنياه وان اخذها ذو العقل السخيف ابطلته وذو الفهم الكليل بلدته وحيرته؛ فليتناول كل امرئ حسب طاقته. وما توفيقنا إلا بالله عز وجل. ولا ينذعر قارئ كتابنا هذا من هذا الفعل، فيكع راجعا، ويجفل هاربا، ويرجع من هذه الثنية ثانيا من عنانه، فانا نقول قولا ينصره البرهان، ونقضي قضية يعضدها العيان: إن اقواما ضعف عقولهم عن فهم القرآن فتناولوه باهواء جائرة، وافكار مشغولة، وافهام مشوبة فما لبثوا أن عاجوا عن الطريقة، وحادوا عن الحقيقة: فمن مستحل دم الامة، ومن نازع إلى بعض فجاج الكفر، ومن قائل على الله عز وجل ما لم يقل. وقد كر الله عز وجل وحيه وكلامه فقال: {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا، وما يضل به الا الفاسقين} (26 البقرة: 2) وهكذا كل من تناول شيئا على غير وجهه، أو هو غير مطيق له، وبالله تعالى نستعين.
وليعلم من قرأ كتابنا هذا ان منفعة هذه الكتب ليست في علم واحد فقط بل كل علم، فمنفعتها في كتاب الله عز وجل، وحديث نبيه، صلى الله عليه وسلم وفي الفتيا في الحلال والحرام، والواجب والمباح، من أعظم منفعة. وجملة ذلك في فهم الاشياء التي نص الله تعالى ورسوله، صلى الله عليه وسلم، عليها وما تحتوي عليها من المعاني التي تقع عليها الاحكام وما يخرج عنها من المسميات، وانتسابها تحت الاحكام على حسب ذلك
اسم الکتاب : التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 9