اسم الکتاب : التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 8
وكان له نظر في حد المنطق ومطالعة لكتب الفلسفة، والرباحي وقد نظر في المنطقيات فاحكمها [1] واثنين من اليهود وهما منجم بن الفوال من سكان سرقسطة، وقد ألف كتابا في المنطق على طريقة السؤال والجواب، ومروان بن جناح، ولم يذكر له في المنطق تأليف معين [2] .
وعلى هذا يكون ابن حزم من رجال الطبقة الثالثة الذين توفروا على الدراسات المنطقية في الأندلس، بل لعله أن يكون أبرزهم في عصره. ولا استبعد ان يكون شيخه ابن الكتاني ذا اثر بعيد في توجهه إلى هذه الدراسات فانه يتحدث عنه في كتبه بإعجاب وتقدير [3] .
لكن إلى أي حد كانت الترجمات والشروح والمختصرات المشرقية معروفة في الأندلس؟ لا القاضي صاعد يحدثنا بشيء من ذلك، ولا ابن حزم في كتاب التقريب يشير إلى شيء واضح دقيق، وكل ما نستطيع ان نقوله في هذا الصدد لا يعدو الفرض والتقدير. ولنا ان نفترض ان المشارقة الراحلين إلى الأندلس مثل الحراني، والأندلسيين الراحلين إلى المشرق مثل ابن عبدون الجبلي قد نقلوا معهم فيما نقلوه من كتب شيئا من الترجمات في المنطق. ولا يبعد أن يكون ابن حزم قد أفاد شيئا منها وعول عليها كما عول على بعض مؤلفات الأندلسيين أنفسهم. وانه ليقول في بعض تعليقاته في التقريب: " قال الشيخ: هذه عبارات المترجمين وفيها تخليط لأنهم قطعوا على ان الرسم ليس مأخوذا من الأجناس والفصول وإنما هو مأخوذ من الاعراض والخواص " [4] . وقد استوقفتني عبارته هذه لأنها تتحدث فحسب عن " المترجمين "؟ بصيغة الدمع - وإنما لأنه صدرها بقوله: قال الشيخ، فمثل هذا التصدير ليس مما يجري في كتب ابن حزم. ثم هداني البحث إلى عبارة في " كتاب الرد على المنطقيين " لابن تيمية جاء فيها: " ولتعظيمه؟ يعني ابن حزم - المنطق رواه بإسناده إلى متى الترجمان الذي ترجمه إلى العربية " [5] . وقد حلت هذه العبارة بعض المشكلات وخلقت أخرى، اطلعتنا على المصدر الذي استغله [1] طبقات الزبيدي: 327، 336 [2] ابن ابي أصيبعة 3: 81 [3] انظر ترجمة ابن الكتاني في الجذوة: 45 [4] التقريب: 18 [5] الرد على المنطقين: 132 (ط. بمباي 1949)
والصديق المخلص [4ظ] الذي لا يسلم عند شدة ولا يفتقده صاحبه في ضيق إلا وجده معه. فلم يسلكوا شعبا من شعاب العلوم الا وجدوا منفعة الكتب امامهم ومعهم، ولا طلعوا ثنية من ثنايا المعارف الا أحسوا بفائدتها غير مفارقة لهم، بل ألفوها لهم كل مستغلق، وتليح لهم كل غامض في جميع العلوم، فكانت لهم للصير في، والاشياء التي فيها الخواص لتجلية مخصوصاتها. فلما نظرنا في ذلك وجدنا بعض الآفات الداعية إلى البلايا التي ذكرنا، تعقيد الترجمة فيها وايرادها بالفاظ غير عامية ولا فاشية الاستعمال، وليس كل فهم تصلح له كل عبارة، فتقربنا إلى الله عز وجل بان نورد معاني هذه بالفاظ سهلة سبطة يستوي ان شاء الله في فهمها العامي والخاصي والعالم والجاهل حسب إدراكها وما منحنا خالقنا تبارك وتعالى من القوة والتصرف. وكان السبب الذي حدا من سلف من المترجمين إلى إغماض الألفاظ وتوعيرها وتخشين المسلك نحوها، الشح منهم بالعلم والضن به.
ولقد يقع لنا أن طلاب العلم يومئذ والراغبين فيه كانوا كثيرا ذوي حرص قوي، فأما الآن وقد زهد الناس فيه، إلى ايذاء اهله وذعرهم ومطالبتهم والنيل منهم ولم يقنع بان يترك وجهله، بل صار داعية إليه وناهيا عن العلم بفعله وقوله، وصاروا كما قال حبيب بن أوس الطائي في وصفهم:
غدوا وكأن الجهل يجمعهم به ... أب وذوو الأدب فيهم نوافل فان الحظ لمن آثر العلم فضله، أن يسهله جهده، ويقربه بقدر طاقته، ويخففه ما أمكن. بل لو أمكن أن يهتف به على قوارع طرق المارة، ويدعو إليه في شوارع السابلة، وينادي عليه في مجامع السيارة، بل لو تيسر له أن يهب المال لطلابه، ويجزي الأجور لمقتنيه، ويعظم الاجعال عليه للباحثين عنه، ويسني مراتب أهله، صابرا في ذلك على المشقة والأذى، لكان ذلك حظا
اسم الکتاب : التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 8