اسم الکتاب : التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 11
الموضوع، ولعله إنما راعى فيها حجم الكتاب نفسه. وقد ذكر في موضع من كتابه [1] انه بناه على الاختصار، ولكنه في الحقيقة كان يطلق العنان لنفسه كلما وجد الموضوع أمامه يسمح بالانطلاق وخاصة في النواحي السلوكية وآداب المعاملة والأمور العقائدية وما شابه ذلك. فإذا دققنا في التقريب لم نجد شرحا لآراء ارسطاطاليس كما كتب على الورقة الأولى، ولكنه في أكثره تبسيط لأقرب الآراء. هذا وإن مقارنة عابرة بين ما كتبه ابن حزم عن البرهان وبين ما كتبه ابن سينا في كتابه البرهان ليدل على شيء من بعد الاحتذاء أو قربه من الأصل الارسطاطاليسي. ومن مقارنات أخرى نرى ابن حزم ينفرد بالمطمح المنطقي في مواطن كثيرة. والنص الذي ذكره الفارابي في أسماء الكتب الثمانية نفسها هو نفسه دليل على ذلك.
6 - قيمة الكتاب
لم يدع ابن حزم لنفسه شيئا من الابتكار في المنطق بل صرح بأن كتابه هذا يقع تحت النوع الرابع من المؤلفات وهو النوع الذي يتناول شرح المستغلق: " ولن نعدم إن شاء الله ان يكون فيها بيان تصحيح رأي فاسد يوشك أن يغلط فيه كثير من الناس، وتنبيه على أمر غامض، واحتقار لما ليست بطالب الحقائق إليه ضرورة، وجمع أشياء متفرقة مع الاستيعاب لكل ما بطالب البرهان إليه اقل حاجة " [2] .
وقد اتهم ابن حزم؟ كما تقدم - بأنه خالف ارسطاطاليس في بعض أصوله مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض في كتابه واثبات هذه المخافة مما لا تتسع له هذه المقدمة، ولا تتيحه الظروف، ولكنها مخالفة ليست مستبعدة لعدة أسباب منها:
1 - ان ابن حزم تجاوز التمثيل بالحروف والرموز إلى انتزاع الأمثال من مألوف الحياة ومن الشريعة، ومن هنا يسهل دخول الخطأ وتقوم المخالفة.
2 - انه صدر في مفهوماته عن مقدمات دينية لم تكن لدى ارسطاطاليس وان شغفه بالتقريب بين المنطق ولشريعة قد يوقعه في الوهم أو الإحالة.
3 - أنه حكم نظرته الظاهرية في كثير من الأمور فأنكر القياس وأنكر العلية في الأمور الشرعية، وأطنب في بيان المعرفة العقلية، واضعف من قيمة الاستقرار مع أن [1] التقريب: 182 [2] التقريب: 10
واما شيء متفرق فنجمعه، واما شيء منثور فنرتبه. ثم المؤلفون يتفاضلون فيما عانوه من تواليفهم مما ذكرنا على قدر استيعابهم ما قصدوا أو يقصر بعضهم عن بعض، ولكل قسط من الاحسان والفضل والشكر والاجر، وان لم يتكلم الا في مسألة واحدة إذا لم يخرج عن الانواع التي ذكرنا في أي علم ألف. واما من اخذ تأليف غيره فاعاده على وجهه وقدم وأخر، دون تحسين رتبه، أو بدل ألفاظه دون أن يأتي بأبسط منها وأبين، أو حذف مما يحتاج إليه، أو اتى بما [لا] يحتاج إليه، أو نقض صوابا بخطأ، وأتى بما لا فائدة فيه، فإنما هذه أفعال أهل الجهل والغفلة، وأهل القحة والسخف فنعوذ بالله من ذلك.
[المدخل إلى المنطق أو ايساغوجي]
وهذا حين نبدأ، إن شاء الله عز وجل يحوله وقوته، فيما له قصدنا فنشرع في بيان المدخل إلى الكتب المذكورة، وهو المسمى باللغة اليونانية إيساغوجي. معنى إيساغوجي في اللغة اليونانية " المدخل " وهو خاصة من تأليف فرفوريوس الصوري. والكتب التي بعده من تأليف أرسطاطاليس معلم الاسكندر ومدبر مملكته، وبالله تعالى التوفيق، وبه نعتصم ونتأيد، لا إله إلا هو. [1] - الكلام في انقسام الاصوات المسموعة [6و]
جميع الاصوات الظاهرة من المصوتين فانها تنقسم قسمين: اما ان تدل على معنى، واما أن لا تدل على معنى. فالذي لا يدل على معنى لا وجه للاشتغال به لأنه لا يحصل لنا منه فائدة نفهمها؛ وطلب ما هذه صفته ليس من أفعال أهل العقول. وهذا مثل كل صوت سمعته لم تدر ما هو؛ ويدخل فيه أيضا الكلام الظاهر من المبرسمين والمجانين ومن جرى مجراهما. فان قال قائل: " فان هذا الكلام الذي ذكرت يدل على أن قائله لا يعقل أو أنه مريض "؛ قيل له وبالله تعالى التوفيق، انه يدلك [على] ذلك بمعناه. لكن لما فارق كلام أهل التمييز كان كالدليل على آفة بصاحبه. وأيضا فقد يظهر مثل هذا الكلام من حاك أو مجان، فلا يدل على أن صاحبه لا يعقل. فليس ما اعترض به هذا
اسم الکتاب : التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية المؤلف : ابن حزم الجزء : 1 صفحة : 11