اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 396
من رزق الله بالضوابط التي أقامها الله من حلال وحرام وهو عابد لله، وفي زواجه وإقامة أسرته ورعايتها في حدود الضوابط والتوجيهات الربانية هو عابد لله، وفي طلبه العلم سواء للتعرف على أوامر ربه ونواهيه، أو للقيام بعمارة الأرض على المنهج الرباني هو عابد لله، وفي إقامته شريعة الله في الأرض هو عابد لله، وفي قتاله لتكون كلمة الله هي العليا هو عابد لله.. وذلك معنى قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ} [1].
فإذا تبين ذلك تبينت مهمة الإنسان في الأرض وطبيعة عمله فيها.
ليست مهمة الإنسان أن يأكل ويشرب ويمارس الجنس على طريقة الحيوان. وإن كان هذا جزءا من نشاطه وعمله في الأرض، ولكن على طريقة الإنسان لا على طريقة الحيوان، أي: ملتزما بما أنزل الله من توجيهات وضوابط ومتقيدا بالحلال والحرام.
وليست مهمته هي الإنتاج المادي وحده، وإن كان هذا جزءا من نشاطه وعمله في الأرض لكن على طريقة الإنسان لا على طريقة الآلة، أي: واعيا مدركا لأهدافه العليا، ملتزما في الإنتاج بالضوابط الربانية التي تحدد الحلال والحرام والحسن والقبيح والمباح والمكروه والمندوب.
مهمته هي "العبادة" بمعناها الشامل الذي يشمل العقيدة الصحيحة، وشعائر التعبد، والنشاط الحيوي في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والفنية ... إلخ ملتزما في ذلك كله بمنهج الله.
وفي جميع الأحوال فعمله ذو طبيعة أخلاقية لاصقة به لا يمكن فصلها عنه فهو إما خير وإما شرير، ولا يوجد عمل واحد من أعماله خارج عن نطاق الأخلاق, سواءكان سياسة أو اقتصادا أو اجتماعا أو فكرا أو فنا، إلا أن يكون عملا من أعمال الطبيعة غير الإرادية لا يحاسب عليه الإنسان.
وتنشأ القيمة الأخلاقية من كون الإنسان ثنائي الوجهة لا مفرد الاتجاه، ومن كونه قادرا على التمييز بين الوجهتين واختيار إحداهما.
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [2]. [1] سورة الأنعام: 162, 163. [2] سورة الشمس: 7-10.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 396