responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 388
أمة كانت مجموعة من القبائل المتناثرة المتناحرة تأبى أن تتحد وتتآلف مع وجود كل العناصر التي تدعو إلى التآلف.. وحدة الآرض، ووحدة اللغة، ووحدة العقائد، ووحدة الثقافة، ووحدة التاريخ، ووحدة الجنس، ومع ذلك تحول بين توحدهم ثارات الجاهلية ونزاعاتها التافهة التي لا تساوي لحظة واحدة من الصراع! ومن هذا الشتيت المتناثر لا يبني هذا الرجل أمة -أي أمة- وإنما أمة فريدة في التاريخ، أمة عقيدة ... أمة لا تقوم على رابطة الأرض، ولا رابطة الدم، ولا رابطة اللغة ولا رابطة المصالح القريبة، إنما تقوم على رابطة العقيدة, فيجتمع فيها العربي القرشي والحبشي والرومي والفارسي، على قاعدة واحدة من المساواة في الإنسانية والمساواة في العقيدة، ويكون التمايز بينهم على قاعدة جديدة كل الجدة على تلك البيئة بل على البشرية كلها يومئذ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [1].
أمة تقوم على الأخوة في الله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [2].
أمة تقوم على التكافل: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [3].
أمة تقوم على العدل الرباني: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [4].
باختصار ... أمة فريدة في التاريخ.
وليفسروا لنا كذلك كيف انساحت هذه الأمة في أرجاء الأرض بهذه السرعة المذهلة، لا غازية للأرض، ولا مستعبدة للناس، ولكن ناشرة لتلك العقيدة التي تزيل القداسة عن البشر وتوجه العبادة لله وحده, وتدعو إلى الأخوة والتكافل, وتدعوى إلى تحرير المرأة وتحرير الرقيق.. فتنتشر هذه المبادئ كلها بالسرعة المذهلة التي تفتح بها الأرض!
فليفسروا لنا هذا كله بمقتضى تفسيرهم الجاهلي للتاريخ!
أي تغير مادي حدث في الجزيرة العربية -بل في العالم أجمع- أدى إلى ظهور هذا الرجل -صلى الله عليه وسلم- بهذه الدعوة ونشرها هو وأتباعه من بعده في أرجاء الأرض.

[1] سورة الحجرات: 13.
[2] سورة الحجرات: 10.
[3] سورة الحشر: 9.
[4] سورة النساء: 58.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 388
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست