responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 382
حياته بطريقة ذاتية، إنما يخترعها لتلبي رغبة من رغباته الكامنة، لأداء ضرورة من ضرورات حياته، أو لتحسين وضع من أوضاعه، أو لتحقيق أمر من "الكماليات" بالنسبة له في تلك اللحظة، يتحول إلى ضرورة بعد فترة من الوقت، فيسعى من جديد إلى تحسينه أو البحث عن كماليات جديدة.
وصحيح أن الآلة الجديدة تحدث تغيرا في حياته، قد لا يكون منظورا كله وقت التفكير في اختراعها، أو لا يكن شيء منه منظورا على الإطلاق.. ولكن هنا ينبغي أن نتذكر أمرين مهمين:
الأول: أن الآلة قد اخترعت في الأصل تلبية لحاجة في نفس الإنسان يسعى إلى تحقيقها، ولم تظهر إلى الوجود من تلقاء نفسها، ولا اخترعها الإنسان عبثا بغير غاية، ولا فرضت عليه فرضا من خارج كيانه.
الثاني: أن التغيير الذي تحدثه الآلة لا يجري على مزاج الآلة ذاتها، فهي في ذاتها لا إرادة لها ولا وعي ولا توجيه؛ لأنها "مادة" والمادة هكذا ... لا إرادة لها ولا وعي ولا توجيه! إنما يجري التغيير -جزئيا على الأقل- على مزاج "الإنسان" وحسب الوضع الذي يعيش فيه، ولا نقصد الوضع الاقتصادي وحده -كما يقول التفسير المادي للتاريخ- إنما الوضع كله: الروحي والفكري والمادي على السواء، فاختراع المحراث الحديدي أدى إلى الإقطاع في أوروبا، لا لأن المحراث الحديدي يؤدي -بطبيعته- إلى الإقطاع؛ ولكن لأن ظهوره في الجاهلية القائمة يومئذ يمكن أن يؤدي إلى ذلك, بمعنى أن أطماع ذوي السلطان من الجاهليين يؤمئذ تجد في المحراث أداة تمكنها من السيطرة على الصورة التي وقعت في الإقطاع الأوروبي، ولم يكن ذلك ليحدث -بهذه الآلة ذاتها- لو أن القوم هناك كانوا يحتكمون إلى شريعة الله, إنما كان الوضع الفكري والروحي الناشئ من اعتناق العقيدة الصحيحة والتحاكم إلى الشريعة الصحيحة يحدث -بهذه الآلة ذاتها- وضعا ماديا واقتصاديا مختلفا عما وقع في جاهلية القرون الوسطى المظلمة في أوروبا، والآلة التي تدار بالطاقة أدت إلى ظهور الرأسمالية في أوروبا لا لأن تلك الآلة -بطبيعتها- تؤدي إلى الرأسمالية! فهي في روسيا لم تؤد إلى الرأسمالية، ومعلوم أن التصنيع الحقيقي لم يتم في روسيا إلا بعد دخولها في الشيوعية! ولكن لأن ظهورها في ذلك الوقت -في الجاهلية القائمة وقتئذ- يمكن أن يؤدي إلى ذلك، بمعنى أن ذوي السلطان في تلك الجاهلية يمكن أن يجدوا فيها أداة إلى

اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 382
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست