اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 339
الأمن.. رغبته في الاستقرار.. رغبته في الذرية..
نعم، تغيرت الصورة التي يحقق بها هذه الدوافع، ولكن هل تغيرت طبيعة الدافع؟
إنه من السذاجة غير "العلمية" أن ينظر الإنسان إلى تغير الصورة فينسى ثابت الجوهر[1].
ونعود إلى النص الذي نقلناه عن رينيه دوبو في كتاب "إنسانية الإنسان" ص71 من الترجمة العربية:
"عاش رجل "كروماغنون Cro-Magnon" في أكثر أنحاء أوروبا قبل حوالي ثلاثين ألف سنة، قبل قيام الزراعة وحياة القرية بفترة طويلة، ومع أنه كان صيادا بصورة رئيسية كان -على ما يظهر- مشابها لنا جسما وعقلا، فأدواته وأسلحته تناسب حجم أيدينا الآن، وفنه في كهوفه يثير مشاعرنا، والعناية التي كان يوليها لدفن موتاه تكشف أنه شاركنا بشكل ما بالاهتمام بنهاية الإنسان وآخرته، وكل أثر مدون من آثار إنسان ما قبل التاريخ يوفر شواهد أخرى للفكرة القائلة أن الخواص الأساسية للجنس البشري لم تتغير منذ العصر الحجري"[2].
فتغير "القشرة" السياسية والاقتصادية والاجتماعية للإنسان -حتى إن سلمنا جدلا أنه ينبع من التغير المادي وحده، ونحن لا نسلم بذلك- لا يعني أنه أصبح إنسانا آخر. ولا يعني أن الإنسان الرعوي غير الإنسان الزراعي غير الإنسان الصناعي من حيث الجوهر.
وليس معنى ذلك -من جهة أخرى- أن أي نظام مثل أي نظام آخر، وأنه لا يختلف حال الإنسان أي اختلاف بتغير النظم عليه. كلا! ما نقصد ذلك. ولكنا نريد أن نؤكد أنه ليس الوضع المادي هو الذي يحدث التغيير الجوهري في حياة الإنسان، أو هو المعيار الذي تقوم به حياته.
إنما يحدث تغير جوهري في حياة الإنسان بحسب معيار آخر مختلف تماما، هو نوع العبادة التي يعبدها، ونوع التشريع الذي ينظم حياته، هل يعبد الله الحق أم يعبد آلهة زائفة، وهل يتحاكم إلى شريعة الله أم إلى شرائع جاهلية من صنع البشر. [1] انظر -إن شئت- حديثا مفصلا في هذا الموضوع في كتاب "التطور والثبات في حياة البشرية". [2] ترجمة الدكتور نبيل صبحي الطويل طبع مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الأولى سنة 1979.
اسم الکتاب : مذاهب فكرية معاصرة المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 339