responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدرسة الدعوة المؤلف : محمد السيد الوكيل    الجزء : 1  صفحة : 236
أرسل أهل مَكَّة رجلَيْنِ من أَشْرَافهم هما: عَمْرو بن الْعَاصِ، وَعبد الله بن أبي ربيعَة، وَالرجلَانِ مخزوميان، وجهزوهما بالهدايا الثمينة للنجاشي وبطارقته، وأمروهما أَن يقدما هَدَايَا البطارقة قبل أَن يدخلا على النَّجَاشِيّ حَتَّى يساعدوهما عِنْد النَّجَاشِيّ فِيمَا قدما من أَجله.
وَلَا يخفى على الْإِنْسَان سَبَب اخْتِيَار عَمْرو بن الْعَاصِ لتِلْك المهمة؛ فَهُوَ مَعَ كَونه شريفا من أَشْرَاف قُرَيْش، داهية من دهاة الْعَرَب الْمَعْدُودين؛ يَسْتَطِيع بذكائه إقناع من أَمَامه بِمَا يُرِيد، ويتمكن بحيلته إِن لم تسعفه الْحجَّة من بُلُوغ مأربه.
وَلَكِن جَعْفَر الداعية الْمُؤمن، قد أفسد عَلَيْهِ رَأْيه، وعطل فِيهِ دهاءه، فَلم تعد لَدَيْهِ الْقُدْرَة على الْإِقْنَاع، وَلم تسعفه الْحِيلَة ليدبر المكيدة الَّتِي جَاءَ من أجلهَا.
دخل عَمْرو وَعبد الله على النَّجَاشِيّ، وحاولا إيغار صَدره على من عِنْده من الْمُسلمين، وقف إِلَى جانبهما جمَاعَة البطارقة؛ فقد جعلتهم الرِّشْوَة يميلون إِلَى الْبَاطِل، ويقفون إِلَى جوَار الظَّالِمين، وَلَكِن النَّجَاشِيّ رفض أَن يسمع فِي الْمُهَاجِرين رَأيا أَو يتَّخذ مِنْهُم موقفا حَتَّى يرى رَأْيهمْ، وَيسمع قَوْلهم، وَقَالَ: فَإِن كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أسلمتهم إِلَيْهِمَا، ورددتهم إِلَى قَومهمْ، وَإِن كَانُوا على غير ذَلِك منعتهم مِنْهُمَا، وأحسنت جوارهم مَا جاوروني[1].
وَجِيء بِجَعْفَر وَأَصْحَابه، فَلَمَّا وقفُوا على بَاب النَّجَاشِيّ صَاح جَعْفَر: يسْتَأْذن عَلَيْك حزب الله، فَأذن لَهُم النَّجَاشِيّ أَن يدخلُوا بِأَمَان الله وذمته[2].
كَانَت تِلْكَ الصَّيْحَة براعة استهلال من جَعْفَر، فقد أعلن قبل دُخُوله أَنه وجماعته من طراز آخر غير مَا عرف النَّجَاشِيّ، فَلَو حصل مَا يُخَالف نظام الدُّخُول على الْمُلُوك كَانَ الْعذر مُتَقَدما، ثمَّ إِن النَّجَاشِيّ رجل على دين الْمَسِيح؛ فَهُوَ يعرف الله ويوحده؛ وَلذَلِك لم يكد يسمع قَول جَعْفَر: يسْتَأْذن عَلَيْك حزب الله، حَتَّى قَالَ: نعم فليدخلوا بِأَمَان الله وذمته.
كَانَ جَعْفَر - رَضِي الله عَنهُ - لبقا أريبا مُسَددًا، فَلَمَّا أذن لَهُ النَّجَاشِيّ بِالدُّخُولِ لم يسْجد لَهُ كَمَا كَانَ يفعل الداخلون عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم: مَا منعكم أَن تسجدوا لي؟ قَالُوا: نسجد لله الَّذِي خلقك وملكك، وَإِنَّمَا كَانَت تِلْكَ التَّحِيَّة لنا وَنحن نعْبد الْأَوْثَان، فَبعث الله فِينَا نَبيا صَادِقا، وأمرنا بالتحية الَّتِي رضيها، وَهِي السَّلَام؛ تَحِيَّة أهل الْجنَّة[3].
وأكد جَعْفَر - رَضِي الله عَنهُ - هُوَ وَأَصْحَابه بِهَذَا الْكَلَام الصَّيْحَة الَّتِي صاحها بِبَاب النَّجَاشِيّ، فهم لَيْسُوا عبيدا إِلَّا لله وَحده، لَهُ يَسْجُدُونَ، وَبِه يعتزون، وَعَلِيهِ يَتَوَكَّلُونَ.

[1] ابْن هِشَام (1/290) .
[2] مُخْتَصر السِّيرَة ص96.
[3] نَفسه.
اسم الکتاب : مدرسة الدعوة المؤلف : محمد السيد الوكيل    الجزء : 1  صفحة : 236
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست