معه الهوى، لما كانوا متناقضين في مناهجهم، ولقبلوا على طول خط المعرفة ومكتسباتها كل الاستنتاجات العقلية القطعية، أو التي تعطي ظناً قوياً راجحاً، ولما فرّقوا بين أفرادها وهي متماثلة في قوَّة دلالتها.
لكنهم متعصبون أصحاب هوى ضد قضية الإيمان بالرب الخالق، فهم يرفضون كل دليل يثبت وجوده عز وجل، مهما كان دليلاً برهانياً قوياً، وحينما يكون لهم هوىً في أن ينتفعوا من طاقات الكون وخصائصه، يقبلون ما يقدّمه لهم الاستنتاج العقلي حول هذه الطاقات والخصائص، ولو كان استنتاجاً ظنياً، أو وهمياً أحياناً، ويخادعون بأن هذا مما تثبته الوسائل العلمية.
ويكفي لإدحاض مذهب الماديين الملحدين، ما اعترف به كبار علماء الكون المعاصرين، من تراجع العلم المعاصر عن اعتبار الكون مادة تعمل بصورة ميكانيكية، إلى إدراك أنه مظهرٌ لخطة عليم حكيم قدير مهيمن على كل شيء.
يقول العلامة الفلكي الرياضي البريطاني السير "جيمس جينز":
" إن الكون كونٌ فكري. الكون لا يقبل التفسير المادي في ضوء علم الطبيعة الجديد، وسببه - في نظري - أن التفسير المادي قد أصبح الآن فكرةً ذهنية ...
إذا كان الكون كوناً فكرياً فلا بد أن خلقه كان عملاً فكرياً أيضاً....
من الصحيح أن نهر العلم قد تحول إلى مجرىً جديد في الأعوام الأخيرة ...
لقد كنا قبل ثلاثين سنة - ونحن ننظر إلى الكون - نظن أننا أمام حقيقة من النوع الميكانيكي. وكان يبدو لنا أن الكون يشتمل على ركام من المادة المبعثرة، وقد اجتمعت أجزاؤه بالمصادفة، وأن عمل هذه المادة ينحصر في أن ترقص لبعض الوقت رقصاً لا معنى له، تحت تأثير قوى