لقد تأكد لدينا بالبيان الشافي أن نظرية "لا فوازييه" محدودة ببعد زمني معين، لا يشمل الزمان الماضي السحيق، ولا الزمان المستقبل المجهول. وتأكد لدينا أن هذه النظرية مشروطة بوجود هذا النظام القائم للكون، ماضياً ومستقبلاً، وليس لهذا النظام طبيعة عقلية توجب أن يكون كذلك من الأزل إلى الأبد.
السؤال الثالث: هل رصد واضع هذه النظرية ومؤيّدوها ومقرّروها من بعده هذا الكون كله في كل أبعاده المكانية؟.
ألا يحتمل عقلاً وجود مكان سحيق في الكون لم يرصدوه، ولم يعرفوا ما فيه؟
أفيحكمون عليه إذاً حكماً غيابياً قياساً على ما رصدوه منه في الأمكنة التي استطاعت أن تبلغ إلى مداها أجهزتهم وملاحظاتهم؟!
إن هذا الحكم الغيابي مع جهالة الخصائص والصفات حكم باطل، وهذا لا يستلزم ضرورة مخالفة الغائب للحاضر، ولكن لا يستلزم أيضاً ضرورة موافقته.
فلا بد إذاً من تحديد مكان النظرية بالأبعاد المكانية التي كانت مجال الملاحظة والقياس بالأجهزة، مع التجاوز بصحة قياس ما شابهها عليها، مما لا يخضع للملاحظة المباشرة.
وهكذا يظهر لنا أن نظرية "لا فوازييه" محدودة ببُعْد مكاني معين، وهو أمرٌ توجبه الدراسة المنطقية الحيادية، وتوجبه الأمانة الفكرية في البحث الجادّ عن المعرفة والحقيقة.
السؤال الرابع: هل شمل رصْد واضع هذه النظرية، ورصدُ مؤيّديها ومقرّريها من بعده، كل أجزاء الكون المادي وغير المادّي، ما ظهر منه وما بطن، وما لم يصل إليه الإدراك الإنساني، مما هو موجود في الكون، ويثبته الاستنتاج الفكري، ولكن لا يزال عن أجهزة الحس غيباً، فهو غير مدرك بالحواس، لا بطريقة مباشرة، ولا بطريقة غير مباشرة؟