فقيمة العقل عنده تنحصر في نتائجه العملية، وهذه النتائج تتوقف على الظروف الخارجية كما رأى.
لكنه لما رأى العاطفة هي التي تمنح الرضى الباطني المباشر، ظهر له أن يقدم العاطفة، فيضعها في المرتبة الأولى من جهة القيمة، ويجعلها مسؤولةً عن هداية العقل.
وبذلك انتهى "كونت" إلى مثل الحالة اللاهوتية التي اعتبرها طُُفُولة النوع الإنساني.
وبسبب ذلك كانت تأسِرُه الموسيقى والخيالات الشعرية والفنية.
ورأى أن الإنسان هو قمة الموجودات الخاضعة للملاحظة والتجربة، وأن المجتمع الإنساني هو قمّة ما يَجِبُ توفير الرضى والسعادة له، فانتهى به الأمر إلى أن يجعل فِكرةَ "الإنسانية" أو معنى "الإنسانية" المجرّد بدل (الله) إلهاً واحداً توجّه له العبادة.
* * *
(3) ورأى "كونت" أن الدين هو الشيء الذي اختص به النوع الإنساني. وأن الدين هو المبدأ الأكبر الموحد لجميع قوى الفرد الواحد من الناس، والموحد لجميع الأفراد من الناس، في مجتمع متماسكٍ متآخٍ متحابب، وذلك بسبب أن الدين يجعل غايةً واحدةً هي الهدف لجميع أفعال القوى في الفرد، ولجميع أفعال أفراد الجماعة.
ولما كان قد رأى أن معنى "الإنسانية" هو أرفع المعاني، بعد أن حذف من تصوره وجود الله عزّ وجلّ، وكل كائنات وقوى غيبية غير مدركةٍ بوسائل العلم القائم على الملاحظة والتجربة، وبعد أن قصر كل المعرفة على ما يصل الناس إليه بالحس والتجربة المادية.
ورأى أيضاً أن معنى "الإنسانية" هو الشيء الوحيد الذي يكفُلُ وحدةَ المعرفة لكل الناس، إذ تحصل هذه الوحدة بالنظر إلى العالم من جهة علاقته بالإنسانية.