ويقول الإمام الخطيب البغدادى: "وقد جعل الله تعالى أهله أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبى صلى الله عليه وسلم وأمته، والمجتهدون فى حفظ ملته، … قبلوا شريعته قولاً وفعلاً، وحرسوا سنته حفظاً ونقلاً حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها، وكم ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفاظ لأركانها.
وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأياً تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والرسول صلى الله عليه وسلم فئتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يقبل منهم ما رووا عن الرسول، إذا اختلف فى حديث، كان إليهم الرجوع، فما حكموا به، فهو المقبول المسموع.
ومنهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد فى قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب محسن وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذلهم الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير" [1] .
ورحم الله هارون الرشيد القائل: "طلبت أربعة فوجدتها فى أربعة: طلبت الكذب فوجدته عند الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث وطلبت الكفر فوجدته فى الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته مع المعتزلة" [2] أ. هـ.
... رضى الله عن تلك الأنفس التى نهضت لحفظ الدين، ورضى الله عمن أحيا آثارهم من اللاحقين "آمين". [1] شرف أصحاب الحديث ص 28 - 31 بتصرف وتقديم وتأخير، وانظر: ما قاله الحاكم فى معرفة علوم الحديث ص2-4، وجمال الدين القاسمى فى قواعد التحديث ص60، والسنة بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد الموجود ص 11. [2] شرف أصحاب الحديث ص 108 رقم 104.