.. إذ يقول الشيخ مستشهداً بالإمام الشاطبى: "إن السنة لا تستقل بإثبات الواجب والمحرم، لأن وظيفتها فقط تخصيص عام القرآن، وتقييد مطلقه، وتفسير مجمله، "ويجب أن يكون ذلك بالأحاديث المتواترة لا الآحادية.
وقال أيضاً: "وأجاب الشاطبى عما أورده الجمهور عليه من قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [1] بأن المراد من وجوب طاعة الرسول، إنما هو فى تخصيصه للعام، وتقييده للمطلق، وتفسيره للمجمل، وذلك بالحديث المتواتر" [2] . وليت شعرى من يجرؤ على القول بأن بيان السنة للقرآن أو استقلالها بإثبات الواجب والمحرم، يجب أن يكون بالسنة المتواترة؟
فإذا كان هذا الكلام من زيادات الشيخ على كلام الإمام الشاطبى فأين دليله على ما زعمه؟!!
... وإذا كان هذا من كلام الإمام الشاطبى كما يوهمه كلام الشيخ، فغير صحيح، لأن الشاطبى فى كلامه عن بيان السنة للقرآن الكريم فى أكثر من موضع فى كتابه "الموافقات" لم يشترط هذا الشرط لا صراحة ولا إشارة [3] .
ويشهد لصحة ما أقول أن الإمام الشاطبى - رحمه الله - فى كل مواضع كلامه عن بيان السنة للقرآن استشهد بأحاديث كثيرة كلها آحاد. بما فى ذلك الموضع الذى تكلم فيه عن استقلال السنة بتشريع أحكام زائدة عما فى القرآن، من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة، وخالتها، وتحريم كل ذى ناب من السباع، والحمر الأهلية، ونكاح المتعة، وإيجابه حد الردة، والرجم، وحد شرب الخمر، وغير ذلك الكثير مما ثبت بالسنة إيجاباً وتحريماً، وكانت السنة فى كل ذلك آحاداً [4] ، ولم يشترط التواتر، ولا حتى نسب هذا الشرط إلى أحد ممن يعتد به، فلا أدرى من أين جاء الشيخ المشد بها الشرط؟!! [1] جزء من الآية 59من سورة النساء. [2] تراثنا الفكرى للشيخ محمد الغزالى ص 178. [3] انظر: الموافقات 3/274، 300، 330، 339، 382، 389، 4/396، 406. [4] المصدر السابق 4/422، 432 وما بعدها.