.. يقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله تعالى -:"لم يكن المهدى مغفلاً ولا جاهلاً، بل كان عاقلاً عالماً، من الملوك الذين ينشأون فى العلم الذى هو شرط من شروط الولاية، فعامل المتزلف إليه بجود الملوك، وأراد قطع السبب الذى تزلف به الكذاب، وفطم نفسه عن التعلق بالحمام فذبحها - ولم يأت فى الخبر أنه طرحها - ولم ينتفع بها آكل، ومثل هذا لا يغيب عن مثل الخليفة المهدى العالم [1] . الذى نكل بالزنادقة أيما تنكيل أيام دولته، وعين لهم رجلاً سماه "صاحب الزنادقة" وكل إليه أمر إبادتهم والقضاء عليهم وأمر الجدليين من أهل البحث من المتكلمين بتصنيف الكتب فى الرد على الملحدين، وإقامة البراهين على المعاندين وإيضاح الحق للشاكيِّن، وأوصى ابنه الهادى بالعمل على إبادة الزنادقة، وشرح له أمرهم، وسوء نيتهم نحو الإسلام والمسلمين، وجاء عنه أنه قال: "والله لئن عشت لأقتلن هذه الفرقة كلها حتى لا أترك منها عيناً تطرف" وقد أنفذ الهادى وصية أبيه بكل أمانة" [2] .
... وخلاصة القول: أن ما وقع من وضع فى السنة أيام الأمويين والعباسيين، وقع من غلاة الشيعة الرافضة، والزنادقة، وغيرهم ممن لا يمتون إلى العلم بصلة، وأمثال هؤلاء هم الذين كانوا فى صراع دائم مع الدولة الأموية، والعباسية، أما ما يزعمه أعداء الإسلام، والسنة المطهرة، بأن الوضع وقع من العلماء الذين دأبوا على نشر السنة المطهرة، وحفظها وتنقيتها أمثال الزهرى، والأوزاعى، والثورى، وابن حنبل، والبخارى، وغيرهم من رواة السنة، فذلك كذب وافتراء يرده تاريخنا الإسلامى السالم من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. [1] لمحات من تاريخ السنة ص 127 هامش، وانظر: ترجمة أمير المؤمنين أبى جعفر المنصور المهدى فى سير أعلام النبلاء 7/400، 403 رقم 147، والبداية والنهاية 10/124، وتاريخ الخلفاء ص253، وشذرات الذهب 1/230، 245، وتاريخ بغداد 5/391 - 401 رقم 2917، والوافى بالوفيات 3/300 - 302. [2] الحديث والمحدثون للدكتور محمد أبو زهو ص 339.