.. وهنا يظهر لنا جلياً أن الأصل فى رواية الحديث روايته باللفظ للعالم بالألفاظ ومدلولاتها وغيره، والفرع هو الترخص فى الرواية بالمعنى للعالم دون غيره. وهذا هو خلاصة المذهب الأول، وهو المختار عند الجمهور من السلف وأصحاب الحديث والفقه والأصول واختاره منهم الآمدى [1] وقال: ويدل عليه النص والإجماع والأثر، والمعقول.
... أما النص: فإن النبى صلى الله عليه وسلم كان مقرراً لآحاد رسله إلى البلاد فى إبلاغ أوامره ونواهيه بلغة المبعوث إليهم دون لفظ النبى صلى الله عليه وسلم وهو دليل الجواز [2] .
... وأيضاً: فإن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بتبليغ سنته المطهرة فى حياته وبعد وفاته فى أحاديث كثيرة منها: "ألا ليبلغ الشاهدُ الغائبَ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه" [3] .
... هذا فى الوقت الذى كان فيه النهى عن كتابة السنة المطهرة: "لا تكتبوا عنى ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه وحدثوا عنى ولا حرج – الحديث" [4] فلو كان اللازم لهم أن يؤدوا تلك الألفاظ التى بلغت أسماعهم بأعيانها بلا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير … لكتبها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل جاءنا عن أحد منهم أنه فعل ذلك من أجل رواية الأحاديث بلفظها بلا تقديم ولا تأخير؟! [1] الإحكام للآمدى 2/93، وانظر: إرشاد الفحول 1/237، والمستصفى 1/168، 169، والمحصول للرازى 2/231، 233، وتدريب الراوى 2/99، ونزهة النظر ص 44، وفتح= =المغيث للسخاوى 2/208 - 217، والكفاية ص 202، 203، ودفاع عن السنة للدكتور أبوشهبة 32، 55، 63، والسنة للدكتور أحمد كريمة ص 66، واختلافات المحدثين والفقهاء فى الحكم على الحديث للدكتور عبد الله شعبان ص 291-298. [2] الإحكام للآمدى 2/93، 94. [3] سبق تخريجه ص 273. [4] سبق تخريجه ص 259.