.. والمتتبع لكلام الأئمة السابقين يتضح له أنه كان معلوماً لديهم الفرق بين الكتابة والتدوين، وهم يؤرخون لتدوين السنة حيث كان مدار حديثهم على التدوين، وليس فى
حديثهم شئ يتعلق بالكتابة، كقول الحافظ ابن حجر: "وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهرى على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير" [1] وقال أيضاً: "اعلم، علمنى الله وإياك أن آثار النبى صلى الله عليه وسلم لم تكن فى عصر الصحابة، وكبار تابعيهم مدونة فى الجوامع ولا مرتبة [2] أ. هـ.
2- الحقيقة الثانية: أن عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – حينما أمر بتدوين السنة لم يبدأ ذلك من فراغ، ولكنه اعتمد على أصول مكتوبة كانت تملأ أرجاء العالم الإسلامى كله، من خلال روح علمية نشطة، أشعلها الإسلام فى أتباعه، فأصبحوا يتقربون إلى الله تعالى بأن يزدادوا فى كل يوم علما، وخير العلوم–قطعاً– ما كان متعلقاً بالقران والسنة.
وحينما نثبت أن تدوين السنة قام على أساس المكتوب فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم، وبإذن منه صلى الله عليه وسلم شخصياً، فإننا لن نتعسف الأدلة أبداً وصولاً إلى تلك الغاية؛ لأننا لن نقول فى هذا الشأن قولاً إلا ونشفعه بالدليل القوى المستمد من أوثق المصادر وآكدها وأصحها. [1] فتح البارى 1/251 رقم 113، وانظر 1/235 رقم 100، وانظر: جامع بيان العلم لابن عبد البر 1/73، وتذكرة الحفاظ للذهبى 1/160، وشرح الزرقانى على الموطأ 1/14، والسنة النبوية. مكانتها. للدكتور عبد المهدى ص 94، 98. [2] هدى السارى ص 8.