والحقيقة أنه لو لم يرد عن سيدنا عمر رضي الله عنه سوى حديث تقبيله الحجر الأسود وقوله رضي الله عنه: "إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك" [1] لكفى فى بيان أنه من أهل التعبد المحض بالسنة المطهرة، وهو القائل: "إنه سيأتى ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله" [2] .
... والحق أن فى نفس القصة ما يدحض افتراء الشهرستانى ومن قال بقوله، فموقف عمر لم يكن شكاً بل طلباً لكشف ما خفى عليه، وحثاً على إذلال الكفار، لما عرف من قوته فى نصرة الدين.
فإن أراد على الشهرستانى الشك فى الدين فمردود بما وقع فى رواية ابن إسحاق ([3]) " أن أبا بكر لما قاله له: الزم غَرْزه [4] فإنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله" [5] .
... وإن أراد على الشهرستانى الشك فى المصلحة وعدمها، فمردود أيضاً. [1] أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الحج، باب ما ذكر فى الحجر الأسود 3/540 رقم1597، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود فى الطواف 5/20 رقم 1270 واللفظ للبخارى. [2] أخرجه الدارمى فى سننه المقدمة، باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة1/62رقم119 [3] ابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبى، مولاهم المدنى، نزيل العراق، إمام المغازى، صدوق يدلس، ورمى بالتشيع والقدر، مات سنة 150هـ ويقال بعدها. له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 1/172 رقم 167، والثقات للعجلى 400 رقم 1433، والثقات لابن شاهين 280 رقم 1147، وتقريب التهذيب 2/54 رقم 5743. [4] الغرز للإبل بمنزلة الركب للفرس، والمراد به التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذى يمسك بركب الفارس فلا يفارقه. انظر: فتح البارى 5/408 رقم 2733، والنهاية فى غريب الحديث والأثر 3/359. [5] السيرة النبوية لابن هشام 3/317.