قال الجَوْهَرىُّ [1] : سننت الماء على وجهى: أى أرسلته إرسالاً من غير تفريق ... والسنن: الصب فى سهولة ... وفى حديث عمرو بن العاص [2] رضي الله عنه عند موته: "فسنوا على التراب سناً" [3] أى ضعوه وضعاً سهلاً [4] فشبهت العرب الطريقة المتبعة، والسيرة المستمرة بالشئ المصبوب، لتوالى أجزائه على نهج واحد، ومن هذا المعنى قول خالد بن عتبة الهذلى:
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها *** فأول راضٍ سنة من يسيرها (5)
وبهذا الإطلاق اللغوى جاءت كلمة السنة فى القرآن الكريم، قال تعالى: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} [6] وقال تعالى {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ... الآية} [7] .
كما جاءت أيضاً فى السنة النبوية بهذا المعنى، قال صلى الله عليه وسلم. "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" (8) [1] الجَوْهَرىُّ: هو إسماعيل بن حماد التركى الجوهرى، يكنى: أبا نصر الفرابى، كان إماماً فى اللغة والأدب، وهو صاحب الصحاح فى اللغة، توفى سنة 393هـ له ترجمة فى: مرآة الجنان: 2 /446، ولسان الميزان لابن حجر 1 /614 رقم 1273، وشذرات الذهب لابن العماد 3 /141، والوافى بالوفيات9 /111 رقم 4028، وإنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطى 1 /194. [2] عمرو بن العاص: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 3 /2 رقم 5897، والاستيعاب 3 /1184 رقم 1931، واسد الغابة 4 /232 - 235 رقم 3971، وتاريخ الصحابة ص173 رقم 884، ومشاهير علماء الأمصار ص 71 رقم 376 [3] أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج 1 /414 رقم 121، وأحمد فى مسند 4 /199. [4] لسان العرب 13 /227، والقاموس المحيط 4 /239، والمعجم الوسيط 1 /455، 456.
(5) لسان العرب لابن منظور 13 /225. [6] الآية 77 من سورة الإسراء. [7] الآية 55 من سورة الكهف.
(8) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة 4 /110، 111 رقم 1017، وأخرجه فى كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة 8 /479 رقم1017 من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.