والقول بأن الحديث لا دخل له فى التشريع، وأنه من أمور الدنيا.
قول يحتاج إلى ما يدل عليه، فالحديث فيه أمر إرشادى من النبى صلى الله عليه وسلم، لعلاج حالة إذا وقعت ولا حيلة للمرء فى دفعها، وهى "إذا وقع الذباب" أى رغماً عنكم، ولم يكن لكم حيلة فى دفعة، وأردتم الانتفاع بما وقع فيه من طعام أو شراب، فعليكم بغمسة كله.
فالأمر بالغمس أمر إرشاد لا أمر إ يجاب، يأثم تاركه، إذ لم يقل بذلك أحد [1] .
... أما قياس حديث الذباب بحديث تأبير النخل فغير صحيح.
فحديث الذباب حديث تشريعى، وأفاد حكماً شرعياً، بأن ما لا نفس له سائلة إذا مات فى الماء القليل لم ينجسه [2] .
كما أفاد جواز أكل أو شرب ما وقع فيه الذباب بعد غمسه كله لمن شاء ورغب فى ذلك. ولا شك أن كل ذلك حكم شرعى [3] .
خامساً: أما القول بأن تصحيح الحديث من المطاعن التى تنفر عن الإسلام…إلخ ما ذكروه.
... فقول ساقط يحمل بين طياته استدراكاً على النبى صلى الله عليه وسلم، الذى كان أحرص الناس على دين الله عز وجل، وسد كل منافذ الطعن والقدح فيه.
وكيف يكون فى شريعة الله ما ينفر وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "بشروا ولا تنفروا. ويسروا ولا تعسروا" [4] .
وهل يعقل أن تكون أقواله التى نطق بها، وأفعاله التى فعلها منفرة للناس؟!
وأين موضع التنفير فى هذا الحديث؟ إلا أنه أثبت أن فى جناح الذباب شفاء؟ أيكون هذا تنفيراً؟ يالخفة العقول!
وأين هذه الشبهة التى يفتحها على الدين حتى يستغلها أعداء الإسلام؟ [1] انظر: السنة والتشريع لفضيلة الدكتور موسى شاهين ص 54، 55، ودفاع عن السنة لفضيلة الدكتور محمد أبو شهبة ص 352. [2] راجع: ص 880. [3] راجع: نقض دليل تقسيم السنة إلى سنة تشريعية، وغير تشريعية ص 464-468. [4] أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الجهاد والسير، باب فى الأمر بالتيسير وترك التنفير6/283 رقم 1732 من حديث أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه.