اسم الکتاب : قذائف الحق المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 227
يستغلون المعانى التى شرحناها للبس الحق بالباطل.
إن وجود الله مغاير لوجود سائر المخلوقات، وهذا العالم منفصل عن ذاته جل شأنه انفصالاً تاماً.
وقد تسمع بعض الفلاسفة أو بعض المتصوفين يقول: إنه يرى الله فى كل شىء.
وهذا التعبير صحيح إن كان يعنى أنه يرى آثاره وشواهده.
أما إن كان يعنى وحدة الخالق والمخلوق أو وحدة الوجود كما يهرف الكذبة، فالتعبير باطل من ألفه إلى يائه، والقول بهذا كفر بالله وبالمرسلين.
ووصف الإحاطة الإلهية فى هذا المجال وسيلة لا غاية.. وسيلة لتصحيح النية والجهد والهدف وإهابة بالإنسان أن يدير نشاطه البدنى والعقلى على مرضاة الله وحده.
وليت الناس يسعون فى هذا الطريق بنصف قواهم!
ولو أن امرءاً حاول استرضاء الله بنصف الجهد الذى يبذله لكسب المال، أو التمكين فى الأرض لقطع مرحلة رحبة فى طريق الارتقاء الروحى والخلقى، ولو أن امرءاً كره الشيطان ووساوسه بنصف الشعور الذى يكره به الآلام والخصوم لنال من طهر الملائكة حظاً.
إن الله قد يقبل نصف الجهد فى سبيله، ولكنه لا يقبل نصف النية، إما أن يخلص القلب له، وإما أن يرفضه كله.
وقد أسلفنا القول إن الإنسان قد تحتل قلبه مقاصد شتى هى التى تبعثه على الحركة والسكون، وعلى الرضا والسخط، وأن هذه المقاصد تنبعث عن أنانيته لا عن إيمانه بربه وابتغائه ما عنده.
والعلماء المربون يطاردون هذه المقاصد المتسللة إلى القلب ويمنعونها أن تثوى فيه. ولا يتوانون فى مطاردتها حتى تخفى ويطهر القلب منها.
ذلك أن الإسلام دقيق جداً فى تقويم النية الباعثة عليه والغاية المصاحبة له،
اسم الکتاب : قذائف الحق المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 227