اسم الکتاب : قذائف الحق المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 218
فطلاب الآخرة ـ كما وصفتهم السورة المكية ـ ليسوا الذين يعيشون فى الدنيا أذناباً مستباحين أو ضعافاً مغموصين، أو كما يقول الشاعر يصف قوماً تافهين:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم
ولا يستأمرون وهم شهود
لا، لا، إن هؤلاء المؤمنين بالدار الآخرة يفرضون أنفسهم على هذه الحياة الدنيا ويكرهون العدو والصديق على أن يحسب حسابهم ويزن رضاهم وسخطهم، ويعلم أن نتائج العدوان عليهم أذى محذور وشر مستطير، لأنهم إذا بغى عليهم ينتصرون، ويلطمون السيئة بمثلها! وليس ذلك بالنسبة للحق الأدبى للجماعة كلها، بل هو كذلك بالنسبة إلى حق الفرد فى ماله الخاص، فقد سئل النبى صلى الله عليه وسلم:
" أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالى..
" قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلته؟..
" قال: هو فى النار. قال: أرأيت إن قتلنى؟..
" قال: فأنت شهيد " [مسلم فى كتاب الإيمان]
هل هذه الوصايا هى التى تخدر الأفراد والجماعات؟
سبحانك هذا بهتان عظيم!
فإذا تجاوزنا العهد المكى إلى العهد المدنى نجد توجيهاً ينبع من هذه الروح الأبية الشامخة.
إن الهوان جريمة وقضاء الحياة فى ضعف واستكانة مرشح أول للسقوط فى الدار الآخرة.
ومن هنا أثبت القرآن الكريم هذا الحوار بين ملائكة الموت وبين الذين عاشوا فى الدنيا سقط متاع وأحلاس ذل.
" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين فى الأرض. قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً " [النساء: 97] .
اسم الکتاب : قذائف الحق المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 218