وإذا تقرر لك هناك أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فى رسالته مهمة غير التبليغ وهى تبيين القرآن الكريم، الملازم للمهمة الأولى وهى تبليغه. فاعلم أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حُكمٌ فى رسالته، جعله ربه من مهام رسالته.
قال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} [1] فبين ربنا سبحانه أنه أنزل الكتاب إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ليحكم بين الناس بما ألهمه الله وأرشده.
وإذا كان الحكم بالقانون، غير سن القانون فإن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما جاء فى القرآن من
تشريعات، فضلاً عن تبيينه بالسنة، هو أمر زائد على مجرد البلاغ لهذه التشريعات. وتحكيمه صلى الله عليه وسلم فى كل شئون حياتنا، والرضى بحكمه، والتسليم به، جعله رب العزة علامة الإيمان كما قال: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسيلما} (2)
وما ذلك إلا لأن حكمه صلى الله عليه وسلم، وحى من الله واجب الاتباع لقوله {بما أراك الله}
وعلى هذا الفهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم.
يدل على ذلك قول عمر رضي الله عنه وهو على المنبر: "يا أيها الناس إن الرأى إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيباً لأن الله عز وجل كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف" [3] . [1] الآية 105 النساء.
(2) الآية 65 النساء. [3] أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الأقضية باب قضاء القاضى إذا أخطأـ 3/302 رقم 3556، والبيهقى فى السنن الكبرى 10/117، والمدخل له ص189 رقم 210، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم 2/164، والبزار ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى مجمع الزوائد 6/145، 146، وسكت عنه الحافظ فى فتح البارى 5/408 رقمى 2731، 2732.