اسم الکتاب : أضواء على الثقافة الاسلامية المؤلف : العمري، نادية شريف الجزء : 1 صفحة : 355
القوميات التي دانت للإسلام قد انصهرت عن طواعية ورضى في بوتقة الإسلام، ثم إن الدعوة للقومية أصبحت شعارا قديما -وفي عرفهم- رجعيا، إذ إن الدعوات الحديثة تقوم على أساس وحدة المبدأ أو الفكرة، دون وحدة القومية ويكفي للدلالة على ذلك أن روسيا الشيوعية تضم ما ينيف عن مائة وسبعين قومية. وقد كانت هذه القوميات تخضع للشيوعية مقهورة مغلوبة على أمرها إذ لا يجد الإنسان السوي فيها ما يتناسب مع فطرته ومع إنسانيته، وشتان بينها وبين مبادئ الإسلام المثالية الواقعية التي تلتئم التئاما قويا مع الفطرة البشرية. وأين الثرى من الثريا؟ ويكفي للرد على هؤلاء الذين يخجلون من الدعوة للتضامن الإسلامي قول الله تبارك وتعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِير} [1] وقوله جل من قائل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [2].
فالإسلام يأبى كل الإباء أية دعوة تدعو لتمزيق كيان الأمة ولتشتيت شمل أبنائها، أو لتفريق كلمتها، والقضاء على وحدتها، وتبديد قوتها، وإن إثارة فتنة القومية أو الطائفية في المجتمع الإسلامي كفيلة بأن تبذر بذور الحقد والحسد والتناحر والتخاصم في قلوب أفراد هذا المجتمع المتماسك بسبب الدين وحده. وإن الرابطة الإيمانية هي التي وحدت بين القلوب وهي التي شيدت صرح التاريخ وهي التي أعلت بنيان المجد والسؤدد التليد.
ولا يخفى أن الاستعمار البغيض لم يستطع أن يبسط نفوذه على الأمة الإسلامية إلا بعد أن فرقها شيعا وأحزابا وأقام بينها حواجز مصطنعة، تتقاطع من أجلها وتتقاتل في سبيل هذه الحدود الاعتبارية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وشد ما نحزن حينما نعلم أن الخلاف يصل إلى عنفوانه، وإلى درجة سفك الدماء والذهاب بالرجال والمعدات بسبب الحدود المصطنعة.. إنها مسألة مرسومة بريشة العدو الثلاثي المشترك "الصهيونية والشيوعية والصليبية" لإثارة العداوات [1] سورة البقرة: 120. [2] سورة الأنبياء: 92.
اسم الکتاب : أضواء على الثقافة الاسلامية المؤلف : العمري، نادية شريف الجزء : 1 صفحة : 355