responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دروس للشيخ سلمان العودة المؤلف : سلمان العودة    الجزء : 1  صفحة : 19
السعادة والهدف
ثامن عشر: السعادة والهدف.
لا بد للحياة من هدف، فما هذا الهدف؟ طرفة بن العبد شاعر جاهلي يقول: ألا أيها الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي فإن كنت لا تستطع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي ولولا ثلاثٌ هنَّ من عيشة الفتى وجدك لم أحفل متى قام عُوّدي فمنهنَّ سبقي العاذلات بشربةٍ كُميتٍ متى تغل بالماء تزبد وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبذلي وإنفاقي طريفي وتالدي إلى أن تحامتني العشيرة كلها وأفردت إفراد البعير المعبَّدِ وكرِّي إذا نادى المضافُ مجنِّباً كسْيِدِ الغضا نبهته المتورِّدِ وتقصير يوم الدجن والدجن معجِبُ ببهكنةٍ تحت الخباء المعمَّدِ إذاً هو يلخص هدفه بثلاثة أشياء: الخمر، والكرَّ، واللقاء والوصال الجنسي مع من يحب.
عمر بن عبد العزيز رحمه الله سمع هذه الأبيات فقال: [وأنا والله لولا ثلاثٌ لم أحفل متى قام عودي: -وهنا انظر إلى الفرق- لولا أن أعدل في الرعية، وأقسم بالسوية، وأسير في السرية] وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [مثل هذا وقع الحافر على الحافر] .
قيل لعاشق: ما السرور؟ قال: لقاءٌ يشفي من الفرقة، واعتناقٌ يداوي من الحرقة.
وقيل لعالم: ما السرور؟ قال: إدراك الحقيقة، واستنباط المعاني الدقيقة.
وقيل لفتاة: ما السرور؟ قالت: زوجٌ يملأ قلبي جلالاً، ويملأ عيني جمالاً.
كثير من الناس يكبتون غرائزهم وعواطفهم وفطرهم التي يعتقدون أنها لا تساعدهم على تحقيق الأهداف، فلا يبلغ الواحد منهم الهدف الذي يسعى إليه: منصباً كان، أو تجارةً، أو جاهاً، إلا وقد دفع الثمن غالياً.
على سبيل المثال: الذي يريد أن يكون غنياً، يضحي من أجل المال بصحته، وبعلاقاته الشخصية مع أقاربه مع زملائه مع أصدقائه، فإذا وصل إلى ما يريد وحقق الهدف وجد نفسه قد فقد لذة الحياة، وشعر بالبؤس، وصارت متعته الوحيدة هو أن يتكلم عن عبقريته الماضية في جمع المال، وعن تاريخه، وإنجازه.
وهكذا الذي يسعى أن يظهر باحترام الناس، ولا يتعرض لنقدهم، كثيراً ما يعيش شقياً بائساً، والسعي وراء الظهور والشهرة ربما يكون من أكبر العقبات في سبيل السعادة إذا تعارضت مع الغرائز الفطرية، أن تعيش سعيداً مع زوجتك، وأطفالك، وجيرانك، بل ومع نفسك، فإن هذا هو العمل العظيم.
قال عبد الملك بن مروان يوماً لأعرابي: ماذا تتمنى؟ قال: العافية والخمول -وهو يعني بالخمول عدم الشهرة- فإني -يقول الأعرابي- رأيت الشر أسرع شيء إلى ذوي النباهة.
فقال له عبد الملك بن مروان: والله ليتني كنت سمعت هذه الحكمة قبل أن أصل إلى الخلافة.
ونحن لا ندري هل كان عبد الملك بن مروان صادقاً جاداً في ذلك، بمعنى: أنه وصل إلى مبتغاه فهان عليه، وأدرك أنه لا يستحق المخاطرة، أم أنها كلمة قالها لتوقيف المجلس.
إن الجميع يعرفون -على سبيل المثال- قصة مارلين مونرو وانتحارها ووصيتها لبنات جنسها: احذري المجد، احذري كل من يخدعك بالأضواء، إني أشهر امرأة في الوجود، ومع ذلك فأنا أتعس امرأة في الوجود إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة.

اسم الکتاب : دروس للشيخ سلمان العودة المؤلف : سلمان العودة    الجزء : 1  صفحة : 19
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست