اسم الکتاب : خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان المؤلف : عبد الرحيم الطحان الجزء : 1 صفحة : 379
.. وفي الحياة البرزخية ترد الأحكام على الأرواح أصالة فيسري ذلك إلى الأبدان تبعاً عكس ما يكون في الحياة الدنيوية تماماً فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدار الدنيوية، فالتذت براحتها، وتألمت بألمها، ففي دار البرزخ هي التي تباشر العذاب والنعيم، فيتألم البدن ويلتذ حسبما يرد على روحه، وإذا كانت الأبدان ظاهرة في دار الدنيا، والأرواح خفية مستترة في أبدانها، والأبدان للأرواح بمنزلة القبور في هذه الحياة، ففي البرزخ يكون الأمر بالعكس تماماً فالأرواح هي الظاهرة، والأبدان خفية في قبورها، وتجري أحكام البرزخ على الأرواح فتسري إلى الأبدان نعيماً كان ذلك أو عذاباً، كما تجري أحكام الدنيا على الأبدان، فتسري إلى أرواحها نعيماً أو عذاباً.
... وفي دار الآخرة تجري الأحكام على الأرواح والأبدان، أصالة في كل منهما، فهي أكمل الدور وهي غاية ما سبقها من الدور، نسأل الله أن يجعل لنا فيها دار كرامته، وأن يمنّ علينا بواسع فظه ورؤية نور وجهه، إنه سميع الدعاء.
... فافهم ما سبق – يا عبد الله – حق الفهم، لتزول عنك الإشكالات، وتتضح لديك المتشابهات وترفع عنك الشبهات، وتقف على الحقائق البينات، التي تعثر في فهمها كثير من العقول الذكيات وهي من الزكاء عاريات ـ وذلك لأن ما سبق من أحوال الروح تحار العقول في فهمها، والوقوف على حقيقة أمرها، ولكن لا تحليها، والشرائع تأتي بما تحار فيه العقول، لا بما تحيله، وتلك الحيرة مقصودة للشرع الحنيف، ليسلم الإنسان بعجزه عن الإحاطة بشيء من أمر هذا المخلوق الضعيف، فكيف سيحيط بالخبير اللطيف، سبحانه سبحانه: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الأنعام103 ورحمة الله على الإمام الغزالي حيث يقول:
قُل لمن يَفْهمُ عني ما أقول ... قَصِّر القولَ فذا شرح يطول
ثَمَّ سِرٌ غامِضٌ من دونه ... ضُربتْ والله أعناق الفُحول
اسم الکتاب : خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان المؤلف : عبد الرحيم الطحان الجزء : 1 صفحة : 379