اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 60
نطاق الحضارة العربية الإسلامية إليهما، أن يربطوا بين النتاج العربي الإسلامي بعضه مع البعض الآخر، ذلك أنهم إن فعلوا فسيجدون أن الفيض الحضاري الإسلامي نشأ متواضعًا، ثم بدأ ينمو ويزدهر ويثمر في سرعة نمو الشجرة المباركة التي صادف غرسها أرضًا طيبة سخية خصيبة. إنه من الخير أن نربط بين كلام عبد الحميد وأسلوبه المشرق العذب، وكلام بعض من سبقوه من بلغاء العرب من خطباء وناثرين من أمثال الحسن البصري وغيلان الدمشقي ويحيى بن يعمر وقطري بن الفجاءة وعبد الله بن معاوية الطالبي بدلًا من أن نربطه بمعين نجهل ويجهل غيرنا وشائج الصلة المباشرة بين عبد الحميد وهذا المعين، الذي يقوم الربط به على الاستنتاج لا على القياس.
لقد اكتملت للمؤلف العربي عدته حينما وصل بأسلوب الكتابة إلى هذا المستوى السامي المتطور الرفيع، وهو في الوقت نفسه لا ينقصه الفكر ولا تجانبه الثقافة: قلم وفكر وثقافة مجتمعة معًا لا بد وأنها خليقة بصنع كتاب، وهذا ما كان بالفعل.
أما وقد استوى الأسلوب العربي على عوده، وصار من النضج بحيث يمكن أن يكون وسيلة للتأليف في مختلف فنون المعرفة وأبواب العلوم فقد بدأت موجات التأليف تترى، وسيلها يفيض مؤتيًا من الثمار أطيبها ومن الحصاد أوفره.
عبد الله بن المقفع وتصانيفه
غير أنه من الإنصاف أن نعترف بوجود مرحلة في التأليف جمعت بين الأصالة والتقليد أو بالأحرى بين الأصالة والترجمة، ولقد تمثلت هذه المرحلة في عبد الله بن المقفع الفارسي الأصل المستعرب بعد ذلك لسانًا وبيانًا.
على أنه من التجاوز بمكان أن نعد ابن المقفع من المؤلفين، فهو لم يكن كذلك، وإنما هو يمثل مرحلة تجمع بين الكتابة والترجمة والتصنيف، لقد نبه عبد الله في كل ذلك، نبه شأنه وتفرد بأسلوبه السهل الممتنع الذي يستمتع به كل من يستعرض ما خلف من آثار منشأة أو مصنفة أو مترجمة، ومن ثم كان ابن المقفع يمثل مرحلة تطور طبيعي من ساحة الكتابة إلى ساحة التصنيف التي تؤدي بعد ذلك إلى مرحلة التأليف.
إن عبد الله، هو اسمه بعد أن استعرب وأسلم -أو ادعى الإسلام على رأي من طعن في إسلامه- وكان اسمه الحقيقي روزبه بن داذويه، لكنه نشأ في البصرة عند بني الأهتم الفصحاء وخالط الأعراب فأخذ عنهم الفصاحة واستقامة الكلام، ثم اتصل بعمال بني أمية على عهد مروان بن محمد وعمل كاتبًا لهم، أي أنه كان سوي العود مكتملًا أسباب الثقافة العربية التي تؤهله للكتابة في الربع الأول من القرن الثاني، ثم اتصل روزبه بعيسى بن علي،
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 60