responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 518
"وعلم الله تعالى أن هذا الكتاب لم يصدر إلا عن قلب مكلوم الأحناء، وفكر خامد الذكاء، بين دهر متلون تلون الحرباء؛ لانتباذي كان من شنترين قاصية المغرب، مفلول الغرب، مروع السرب، بعد أن استنفد الطريف والتلاد، وأتى على الظاهر والباطن النفاد، بتواتر طوائف الروم، علينا في عقر ذلك الإقليم، وقد كنا عنينا بكرم الانتساب عن سوء الاكتساب، واجتزأنا بمذخور العتاد عن التقلب في البلاد، إلى أن نثر علينا الروم ذلك النظام، ولو ترك القطا ليلًا لنام، وحين اشتد الهول هنالك اقتحمت بمن معي المسالك، على مهامه تكذب فيها العين الأذن وتستشعر فيها المحن:
مهامه لم تصحب بها الذئب نفسه ... ولا حملت فيها الغراب قوادمه
حتى خلصت خلوص الزبرقان من سراره، وفزت فوز القدح عند قماره، فوصلت حمص -أي إشبيليه- بنفس قد تقطعت شعاعًا، وذهب أكثرها التياعًا، وليتني عست منها بالذي فضلا فتغربت بها سنوات أتبوأ منها ظل الغمامة، وأعيا بالتحول عنها عي الحمامة، ولا أنس إلا الانفراد، ولا تبلغ إلا بفضلة الزاد، والأدب بها أقل من الوفاء حامله أضيع من قمر الشتاء، وقيمة كل أحد ماله، وأسوة كل بلد جهاله، حسب المرء أن يسلم وفره، وإن ثلم قدره، وأن تكثر فضته وذهبه، وإن قل دينه وحسبه".
ويبدو أن الرجل العالم الكريم قد كابد الكثير من الحرمان في إشبيليه، وكابد غير قليل من المكائد، وواجه ألوانًا من الحسد وشظف العيش. ومدينة أشبيلية لم تكن من ناحية العلم والجد على مستوى رفيع بل كانت مدينة لهو وعبث، على عكس قرطبة التي كانت مدينة العلم والثقافة والنور، وقد قال الفيلسوف ابن رشد في مناظرة له مع الشاعر المبدع ابن زهر، وكان الأول متعصبًا لقرطبة والثاني متعصبًا لإشبيلية: ما أدري ما تقول غير أنه إذا مات عالم بإشبيليه فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة، وإن مات مطرب بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى إشبيليه.
لقد كانت إشبيلية إذن مدينة قصف ومجون وليست مدينة جد وعلوم الأمر الذي جعل ابن بسام يقول فيها قولًا شبيهًا بقول ابن رشد وإن كان أسبق منه زمانًا: "ولا أنس إلا الانفراد، ولا تبلغ إلا بفضلة الزاد، والأدب بها أقل من الوفاء، حامله أضيع من قمر الشتاء".
إنها إشبيلية ما بعد عصر بني عباد على كل حال، فلقد كانت على عهدهم عاصمة الأندلس ثقافة وأدبًا وفنًّا وعزةً وامتناعًا.
لقد كتب ابن بسام ذخيرته إذن في إشبيلية، ولما كانت سنة وفاته هي 524هـ وإقامته في إشبيلية سنوات -على حد تعبيره- فإن معنى ذلك أنها من قبل الاستنتاج العقلي لا تزيد

اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 518
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست