responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 39
إن هذا الذي جرى من أبي بكر وعلي هو ما يسمى بالتثبت في الرواية عند أخذها أو عند أدائها.
ومن مناهج استخلاص صحيح الحديث من سقيمه ما أطلق عليه نقد المرويات وذلك بعرض الحديث على نصوص الدين وقواعده، فإن وجد مخالفًا لشيء منها رد الحديث ولم يعمل به. فمن ذلك أن أم المؤمنين عائشة سمعت حديث عمر وابنه عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله أن الله يعذب المؤمنين ببكاء أحد، ولكن قال: "إن الله يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه"، وقالت: حسبكم القرآن: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [1].
وإذا ما حدث شك في حديث بعينه وبخاصة عندما كثر الوضع والتدليس في الأحاديث، أخذ المسلمون الأوائل يحتاطون لذلك بوسائل دقيقة منطقية عقلية، منها، على سبيل المثال، أن يعتني المحدث بالبحث في إسناد الحديث وفحص أحوال الرواة والتدقيق في ذلك بعد أن كان الأمر قبل ذلك يعتمد على الترجيح، ومنها الرحلة في طلب الحديث بهدف سماعه من الراوي الأصلي والتثبت منه مهما كانت مشقة الرحلة. وقد سلف القول: إن كل المحدثين كبارًا وصغارًا ارتحلوا في سبيل جمع الحديث ومنها معرفة ما إذا كان الحديث ضعيفًا أو موضوعًا وذلك بعرض حديث الراوي على رواية غيره من أهل الحفظ والإتقان، فحيث لم يجدوا له موافقًا على حديثه أو كان الأغلب في أحاديثه على نحو من المطابقة ردوا أحاديثه وتركوها. وهكذا لم يكد ينقضي القرن الأول إلا وقد أصبحت للحديث وجمعه وتمييزه بعض الأصول وعرف منه الحديث المرفوع، والحديث الموقوف، والحديث المتصل، والحديث المرسل[2].
ويمضي علم الحديث أو علم مصطلح الحديث في النمو والازدهار والدقة والمنهجية بحيث لا يكاد القرن الثالث ينخرط في سلك عقود الزمان حتى تكون مجموعات كتب الحديث نصًّا، وعلومه مصطلحًا، قد توفرت أمام محبي علم الحديث الشريف، وقد وضع لها رجاله من أصول المناهج ما لم يسبقوا به في تاريخ العلوم عند أمة من الأمم السابقة ولا غيرها من الأمم اللاحقة، الأمر الذي أذهل أساتذة المنهج في الغرب الأوروبي الذين لم تخل صفوفهم من متحيز أو متحامل، الأمر الذي دفع بهذا الفريق الأخير حين لم يجد مأخذًا على منهج الرواية إلا أن يتهموا رجال الحديث -ظلمًا وجهلًا- بأن اهتمامهم

[1] علوم الحديث لابن الصلاح "ص 5": المقدمة.
[2] المصدر السابق "ص10 المقدمة.
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 39
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست