اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 154
والحق أن كتاب عيون الأخبار من حيث منهجه ومحتواه يعتبر مثلًا أعلى لفن التأليف حتى عهد صاحبه، وهو بذلك يبز الجاحظ ويعلو عليه من حيث المنهج، فقد كان الجاحظ من قبله كثير الاستطراد، يبعد عن موضوعه بحيث ينقل القارئ نقلة واسعة ينسى معها الموضوع الذي كان يقرأه، وليس كذلك ابن قتيبة، بل إن ابن قتيبة يحس بهذا الامتياز في فنه ومنهجه فيقدم روح كتابه في مقدمة كتبها بنفسه يقول فيها: "قرنت الباب بشكله والخبر بمثله والكلمة بأختها ليسهل على المتعلم علمها وعلى الدارس حفظها". وهكذا يضع ابن قتيبة نفسه موضع العلم من قارئه والأستاذ من بين المؤلفين والمنشئين. وهو حين يقدم كتابه للقارئ يقول في موضع آخر من مقدمته: ولم أخله من نادرة طريفة وكلمة معجبة وأخرى مضحكة"[1].
ومحتوى الكتاب يدل على سعة معرفة ابن قتيبة وسمو فكره وبراعة صوغه ووضوح أسلوبه ومنطق تسلسله، والكتاب متعة من متع الفكر العربي وحشد من المعرفة التي تخلق من قارئها إنسانًا متفتحًا مثقفًا؛ لأن ابن قتيبة متفتح العقل صافي الذهن مرتب الفكر متعدد الثقافات.
هذا ويرى بروكلمان استنتاجًا من مقدمة عيون الأخبار أن كتاب المعارف وكتاب الأشربة -لابن قتيبة- يعتبران بمثابة تكملة لعيون الأخبار، ونحن لا نذهب مذهبه، فلكل من الكتابين الأخيرين شخصيته ومنهجه وبراعة استهلاله وتمام اختتامه.
أدب الكاتب:
وإذا كان لنا أن نقدم كتابًا آخر لابن قتيبة فإن كتاب أدب الكاتب خليق بأن يكون ذلك الكتاب، فهو واحد من أربعة كتب ذكر ابن خلدون أن مشايخه وأساتذته جعلوها أصول فن التأديب، وما سواها تبع لها وفروع منها. وهذه الكتب الأربعة هي: أدب الكاتب لابن قتيبة، والكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، والنوادر لأبي علي القالي.
وأدب الكاتب يختلف اختلافًا بينًا عن عيون الأخبار، فعيون الأخبار كتاب ثقافة رفيعة وإحاطة بأسباب المعرفة على تعدد موضوعاتها مستقاة من مختلف مظانها، وأما كتاب أدب الكاتب فهو تأديب للكتاب الذين ظنوا بأنفسهم العلم وهم جهلاء، وتعليم للخاملين المتطاولين الذين غفلوا عن حقيقة حالهم فنشروا على الناس جهلهم وحاولوا أن يتسلقوا إلى المراتب العليا من مراتب الفكر اغتصابًا ودون استعداد أو تحصيل أو تعلم. [1] مقدمة عيون الأخبار.
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 154