اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 53
عين من تندبين بعد نبيّ ... خصّه الله ربّنا بكتاب «1»
أما التأبين فهو أدنى إلى الثناء منه إلى الحزن الخالص، وهو تصوير لخسارة الناس في كبير، «ومن هنا كان التأبين ضربا من التعاطف والتعاون الاجتماعي، فالشاعر فيه لا يعبّر عن حزنه هو، وإنما يعبّر عن حزن الجماعة، وما فقدته في هذا الفرد المهم من أفرادها، ولذلك يسجل فضائله ويلحّ في هذا التسجيل، وكأنه يريد أن يحفرها في ذاكرة التاريخ حفرا، حتى لا تنسى على مرّ الزمن» [2] ، ويقرب من هذا التحديد قول كعب بن زهير [3] في رثاء النبي الكريم:
فجعنا بخير النّاس حيّا وميتا ... وأدناه من ربّ البريّة مقعدا
وأفظعهم فقدا على كلّ مسلم ... وأعظمهم في النّاس كلّهم يدا
لقد ورثت أخلاقه المجد والتّقى ... فلم تلقه إلّا رشيدا ومرشدا «4»
وهكذا يظهر لنا أن الشعر الذي يقال في ميت يسمى رثاء، لكنه في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مديح. وكأن في ذلك ما دلّ على أنه موصول الحياة، لأن شريعته لا زالت حيّة، ويمكن أن يكون ما يقال في الميت مدحا إذا كان ذلك بعد الموت بزمن طويل، أما إذا قيل عقب الموت فهو رثاء، وإن التقت المعاني، وتشابهت، وكذلك الأمر في مضمون الشعر الذي يقال في الميت، فإذا غلب عليه التفجّع والأسى والبكاء يظل رثاء، وإن تطاول به الزمن، أما إذا كان ثناء محضا وإشادة خالصة، وذكرا للفضائل، فإنه يقرب من المديح ويكون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مديحا لا غير.
(1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 2/ 329. [2] ضيف، شوقي: الرثاء ص 6. [3] كعب بن زهير بن أبي سلمى، شاعر مخضرم، أهدر النبي صلّى الله عليه وسلّم دمه فجاءه مستأمنا، ومدحه بلاميته المشهورة (بانت سعاد) ، فعفا النبي صلّى الله عليه وسلّم عنه وخلع عليه بردته، توفي سنة 26 هـ. ابن سلام: طبقات الشعراء ص 67.
(4) ديوان كعب بن زهير ص 198.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 53