اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 493
فهذه الأرجوزة وإن حوت بعض المقاطع القصصية، لا تعدو سردا للأخبار وتأريخا لحياة شخصيات، وجاءها الحس الملحمي من اختياره لهذه الشخصيات، وهي شخصيات الأنبياء، فظهر فيها شيء من مسألة الاتصال بين الأرض والسماء، والصراع بين الخير والشر.
ومن ذلك قصيدة للسان الدين بن الخطيب، اسمها (رقم الحلل في نظم الدول) ، قال عنها: رجز «يشتمل على الدول الإسلامية كلها، من غير حشو ولا كلفة، إلى زماننا هذا، ورفعته إلى السلطان» [1] فهي تأريخ للدول الإسلامية، ويظهر أنها على مثال أرجوزة علي بن الجهم.
فالأدب العربي حوى قصائد طويلة تؤرخ للدولة العربية الإسلامية، أو تذكر أسماء الخلفاء، أو تتحدث عن دولة بعينها، وربما ابتدأ صاحبها منذ بداية الخلق كما فعل علي بن الجهم مجاراة لكثير من المؤرخين الذين حاولوا أن يشملوا في كتبهم الزمن الممتد منذ بداية الخليقة وحتى عصرهم. وهذه القصائد، وإن بدت فيها ملامح باهتة من الملاحم، إلا أنها ظلت أقرب إلى التأريخ، وإلى الشعر التعليمي.
وحين لاحظ الباحثون وجود ما يشبه الملاحم في شعر المدح النبوي، اختلفوا حوله، فأقر قسم منهم بتشابه بعض قصائد المدح النبوي مع الملاحم على وجه من الوجوه، ونفى قسم منهم هذا التشابه، معتمدا على مضمون الملاحم التي تمتزج بالتهاويل والأساطير وذكر العبادات القديمة، ولا تلائم الفحوى الإسلامي، الذي شيدت عليه القصائد الكبيرة في المدح النبوي.
وقد ذهب (عبد الله كنون) إلى أن قصائد المدح النبوي «أحق بأن تصنف في شعر الملاحم من المعلقات والقصص المذكورة، لأنها أطول نفسا، وأكثر حوادث، وأغنى [1] ديوان لسان الدين بن الخطيب ص 104.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 493