اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 392
لنا سند من الرّجوى لديه ... غداة غد يعنعنه الوفاء «1»
فما هي الإضافة في الصب الذي ليس له في الصبر راء؟ وما هو الجديد في كلمة (همّ) لتصبح حينا هاء وميما وحينا ميما وهاء؟ ولو وصف مهندس الحب، فهل يشبهه بالدائرة في افتقار شكلها إلى بداية محددة أو نهاية معروفة؟ وما هو موطن الجمال في العنعنة التي تملأ أسانيد الحديث الشريف، لينقلها ابن نباتة إلى الشعر؟ إنه الأسلوب المتصنع الذي أعجب أهل ذلك العصر، فتفاخروا في تعقيده.
وكلما تقدم بالمدائح النبوية الزمن، زادت الصنعة فيها ثقلا، حتى أخفت المعاني والمشاعر، فلم يبق من الشعر إلا الوزن والقافية، وهذه الصنعة التي يعجب المرء كيف كانت تستهوي أهل ذلك العصر، فالنواجي مثلا لا يترك مدحة نبوية له دون أن يغلّفها بضروب الصنعة البديعية، مثل قوله في قصيدة:
لعروض جفاك بحور هوى ... بدوائر هجرك تضطرب
وبهالة وجهك دائرة ... لمعاني حسنك تجتلب
وبجسم الصّبّ جرت علل ... وزحاف ليس له سبب «2»
ولا ندري إن كان الشاعر يتغزل أو يتحدث عن العروض ودوائره وعلله وزحافاته وأسبابه وأوتاده، ولا ندري كيف كان الناس يستحسنون هذا الغزل، وكيف يتخيلون المحبوب من خلال هذه المصطلحات العروضية التي لا تجانس الشعر ولا تلتقي معه؟
وقد أفرغ جعبته من مصطلحات الحديث والفقه في مقدمة مدحة أخرى، طلبا للإدهاش وإظهار المقدرة، حين قال:
(1) ديوان ابن نباتة: ص 1.
(2) المجموعة النبهانية: 1/ 470.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 392