اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 379
بيت زهير حيث كعب مبارك ... وحسّان مدحي ثابت ورجائي «1»
فهو يداخل ما بين الإشارات التراثية والصنعة السائدة في عصره، ليكون من صاغة الشعراء، ولم يكن جميع شعراء العصر صاغة- كما يقول-، بل فيهم من نحا منحى الجزالة والتعبير القوي، وسار على طريقة الشعراء القدامى، بعد أن تمكّن من لغته وثقافته الأدبية، ومن هؤلاء ابن هتيمل، الشاعر الذي عاش في الجزيرة العربية، واستقر في مكة، وكان من أرومة عربية أصيلة، فإن شعره يسير على النهج العربي الأصيل في صياغته وشكله وطرق تعبيره، ويظهر أن عزلته النسبية في الجزيرة العربية قد صانت شعره من ظواهر الصنعة أو الركاكة والضعف، وله مدحة نبوية يقول فيها:
لولا محبّة أهل الدّار والدّار ... ما غاض صبري وجفني ماؤه جاري
ولا عكفت وأصحابي تعنّفني ... على العكوف على نؤي وأحجار
وإنّما لي أوطار رزيت بها ... رعيا لها من لبانات وأوطار «2»
وليس جميع الشعراء كابن هتيمل في توجهه الشعري الأصيل، إلّا أن بعضهم قد أبدى في شعره استعدادات مختلفة للذهاب في شعرهم مذاهب مختلفة، فهم قادرون على مضارعة الشعراء القدامى في أسلوبهم، وعلى استخدام صنعة عصرهم، وعلى النظم وفق طريقة العلماء، وهذا يثير العجب للوهلة الأولى إلّا أنهم أرادوا أن يعطوا لكل مقام مقالا، وأن يرضوا الأذواق المختلفة في عصرهم، وأن يثبتوا أنهم قادرون على المشاركة في طرق التعبير الشعري المعروفة في عهدهم كلها، ومن هؤلاء أشهر شعراء المدح النبوي البوصيري، الذي نجده يرقى في أسلوبه إلى أسلوب الشعراء العرب القدامى الأصيل، ونجده يشارك أهل عصره في كلفهم بالصنعة، ولا ينسى أن يشارك العلماء في نظمهم.
(1) ديوان ابن نباتة: ص 15.
(2) ديوان ابن هتيمل: ص 62.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 379