اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 160
تمثّل أرقى اتصال بين عالمنا المادي والعالم الروحي، أو بين الأرض والسماء، هو ما يجعله المتصوفة نصب أعينهم، في مسعاهم الحثيث ليعرجوا بأرواحهم إلى السماء، وليفنوا في خالقهم، لذلك حرص شعراء المتصوفة على ذكر هذه المعجزة بالإشارة حينا، وبالتفصيل حينا آخر، لأن الحديث عنها يعبر عن طموحاتهم، ويحمل آراءهم، ويتيح لهم الخوض في الغيبيات كما يحلو لهم، وبالقدر الذي يشبع رغبتهم في الانطلاق إلى العالم النوراني البعيد عن مادية الأرض وأسر الجسد، وفي ذلك يقول ابن عربي:
ألم تر أنّ الله أسرى بعبده ... من الحرم الأدنى إلى المسجد الأقصى
إلى أن علا السّبع السّماوات قاصدا ... إلى بيته المعمور بالملأ الأعلى
إلى السّدرة العليا وكرسيّه الأحمى ... إلى عرشه الأسنى إلى المستوى الأزهى
فكان تدلّيه على الأمر إذ دنا ... من الله قربا قاب قوسين أو أدنى
وشال حجاب العلم عن عين قلبه ... وأوحى إليه في الغيوب الذي أوحى «1»
ومن القضايا المتعلقة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أدب الصوفية وكتبهم، قضية العلاقة بين النبوّة والولاية، والمفاضلة بينهما، فقد أخذ على المتصوفة تفضيلهم الولي على النبيّ، وهذا ما أحرجهم، لذلك تصدوا لشرح هذه القضية وبيان مذهبهم في ذلك، فقال ابن عربي «هذه مسائل لا يعلمها إلا الأكابر من عباد الله، الذين هم في زمانهم بمنزلة الأنبياء زمن النبوة، وهي النبوة العامة، فإن النبوة انقطعت بوجود رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» [2] فابن عربي يذهب إلى أن كلامهم في مسألة النبوة، ووصف كبارهم بالأنبياء، لا يفهمه على حقيقته إلا الأكابر من عباد الله، وهؤلاءهم أقطاب الصوفية وكبارهم، وإلا فإن الناس سيفهمون كلام الصوفية فهما خاطئا.
(1) ابن عربي: الفتوحات المكية 3/ 381. [2] المصدر نفسه: 2/ 3.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 160